في رواية سيرة مقلوبة، لانتقال غير موجع من "الإسلام إلى الشيوعية"

Photo

العنوان الحقيقي لهذا الكتاب هو "ورقات من سيرة جيل معطوب" المكتوب بخط أقل حجما من العنوان الكبير "صديقي رضا لينين"، وسوف تصاب بخيبة عميقة إذا كنت معنيا بحالات العطب في الانتقال السياسي والفكري في تونس أو بالبحث عن تاريخ السيد رضا المكي الشهير عند أبناء جيله باسم "رضا لينين" وما يبعثه ذلك في نفسك من انتظار سيرة هذا الشخص الذي خرج فجأة إلى الفضاء العام بمبرر قوي هو قربه الفكري والسياسي المفترض من رئيس الدولة وما ينسب إليه من "تدبير" غير رسمي في شؤون الحملة الانتخابية ومن بعدها في شؤون رئاسة الدولة.

في المقابل، سوف تعثر على رواية سيرة ممتعة للشاعر والجامعي فتحي النصري، وخصوصا، سوف ترافقه في مسألة مثيرة للاهتمام لكنها لم تحظ بالكتابة في تونس وهي انتقاله "غير الموجع" من التدين والانخراط في نشاط شباب الإسلام الدعوي في مراهقته إلى التنظم والنشاط في "يسار اليسار" وخصوصا الوطنيين الديمواقراطيين ثم الشيوعيين في حزب التجديد بعد الثورة، أما مسألة العطب في سيرة هذا الجيل، فهي نسبية أو غير حاضرة، أو لنقل، لم تحظ بالحد الضروري للحديث عن العطب. الكاتب ما يزال داخل الآلة السياسية والفكرية لليسار، وليس له مجال لنقدها خارج أطرها السياسية.

وبعد خيبة انتظار سيرة "رضا لينين"، سنجد أنفسنا إزاء "سيرة مقلوبة" أو توبة مقلوبة من الناحية الأدبية لما تعودنا عليه في أدبيات العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن من أوجاع "توبة الملحدين عقائديا والشيوعيين تنظيميا واليساريين سياسيا" إذ جرت العادة بأن يكتب الناس تفاصيل الرحلة العاطفية للمعاناة النفسية من حالة الإلحاد أو الانتماء إلى التيارات الفكرية التي تزدري الأديان إلى طمأنينة وسكينة الإيمان والتوبة، لكننا هنا في مواجهة حالة معاكسة: الانتقال من طمأنينة وقوة الإيمان في المراهقة إلى التنظيمات اليسارية المتشددة، إنما مع التوضيح: دون أن يشير الكاتب في أية لحظة إلى فقدانه الإيمان التقليدي بالدين والمعتقد، كما يمكن توقعه في هذه الرحلة، بل بدا انتقاله سلسا كأنه انزلاق طبيعي متوقع، ومن يعرف الشاعر والجامعي فتحي النصري، سوف يجد أن السلاسة في المزاج هي احدى طباعه الأولى بالإضافة إلى الألفة وشيء من الخجل الجميل.

ما نعتبه في النهاية على الكاتب في هذا الكتاب الذي يأخذ منك يومين أو حصتين فقط للقراءة هو العنوان المخادع والذي يترك انطباعا دعائيا تجاريا، ثم إغفال مبررات وتفاصيل انتقاله الفكري والسياسي المخالف للصورة النمطية في أدب السيرة الحديث الذي كنت أرجو أن يأخذ منه، على الأقل من موقعه بصفته جامعيا، تفاصيل أكثر تقترب من الإشباع الذهني لخياراته التي أراد أن يجعل منها موضوعا عاما وعموميا بنشر هذا الكتاب.

ملاحظة أخيرة: لقد كتب هذا الكتاب بلغة بسيطة سهلة ومتينة، لكنها لم تأخذ في الاعتبار تطور لغة السرد وبدت كأنها كتبت بما توصل إليه توفيق الحكيم في كتاب "يوميات نائب في الأرياف"، ورغم تفهمي لتأثر جيل الستينات حتى الثمانينات بذلك الأدب الذي وضع فاصلة مع أدب ما قبله، فإني كنت أتوقع من الشاعر والجامعي فتحي النصري أن يكون قد استفاد من اختصاصه الجامعي لفتح نافذة اطلاع على آداب العالم والاستفادة منها بدءا مثلا بمذكرات غراهام غرين عن الرواية وصولا إلى كتاب "نعيشها لنرويها" للكاتب الأكثر شهرة ماركيز في أدب السيرة، فنحن بحاجة إلى كتاب سيرة، نجد في كتبهم معنى لما حدث لنا، من خلال ما حدث لهم، وأعتقد أنه كان قادرا على ذلك، ليس فقط بفعل ما عاشه من أحداث ثرية وفيها أسرار ما حدث بعدها، بل أيضا بما له من أدوات فنية وشعرية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات