فرنسا: من معارك المناعة الي معارك الجماعة

Photo

لماذا تكون فرنسا دوما أكثر تصادما مع المُكوِّن الاسلامي داخلها مقارنة بالبلدان الاوروبية الاخرى؟ في اعتقادي الامر يعود الي خلل فادح داخل التصور الفرنسي للهوية والمواطنة ودور الدولةً، خلل لا نجده في ايطاليا والمانيا لأسباب تاريخية ولا في العالم الانجلوسوكسوني لأسباب فكرية.

وقع تصور الهوية في فرنسا على النموذج الكنسي: عملية تعميد يخرج بها الفرد من حالة الوثنية/ التوحش الي الدين الحق/ المدنية. حتى يتحصل الفرد على الهوية الفرنسية عليه ان يخرج نهائيا عن معتقداته القديمة ويعتنق قيم الجمهورية. هناك عملية صهر قسرية للخصوصي داخل قيم تدعي انها كونية.

الهُوية في فرنسا مُسطّحة وواحدة ومتماثلة مع ذاتها ومُكتملة، وما على الفرد الا قبولها حتى يكون مواطنا. لذلك في فرنسا فقط هناك امتحان test d'intégration حتى تتحصل على الجنسية. علينا ان نلاحظ القرابة الفيلولوجية بين intégration وintégriste: حتى تكون فرنسيا عليك ان تعتنق معتقدات وتقاليد وقيم (هوية) وتُعرِب عن ارادة الدفاع عنها ولا تضعها ابدا موضع سؤال.

في " الحداثة والهولوكوست" يُسمي ز. باومن هذه الممارسة ب" البستنة": اعتبار كل ما هو مخالف ضار وخطير يجب تقويمه او القضاء عليه وهو المسار الذي انتج الهولوكست وهو مسار في اصل نشأته فرنسي. هكذا يكون المجتمع الفرنسي في عمقه جماعة دينية مؤسسة على مقدسات يقولون انها علمانية.

ما يعنينا انها ترفض المختلف ولا تعترف الا بمقدس واحد شانها شان اية جماعة دينية، ولا تقبلك الا اذا اعتنقته شانها شان اية جماعة دينية. باختصار: هناك فهم مجرد للمواطن في فرنسا،مجرد من اي انتماء " اخر" ولا يعتنق الا قيم الجمهورية الكونية. لذلك لا تعترف فرنسا بالجماعات داخلها ولا بلغات اخرى غير الفرنسية (وتساند القبايل في الجزائر والاكراد).

في العالم الانجلوسكسوني خاصة بعد النقد الجمعياتي Ch. Taylor و Walzer و Macintyre أصبحنا نتحدث عن الهوية المركبة والاختلاف وحق الاعتراف. ليس هناك اي معنى لكوني مجرد ولثقافة كونية هي في الحقيقة ثقافة اقلية تريد فرضها. الحقوق والحريات يجب ان تُستمد من الخليط المكون للمجتمع وهي نفس النظرة الالمانية للثقافة. في " دوائر العدالة" يتحدث Michael Walzer عن العدالة المتعددة:

ليس للفرد مطالب مادية فقط وانما له ايضا حقوق خصوصية: احترام عقائده وممارسة شعائره والشعور بالطمأنينة.. في " الصراع من اجل الاعتراف"يرى Axel Honneth ان المجتمع العادل هو الذي يكون فيه اعتراف متبادل من طرف الجماعات تجاه بعضها وليس هناك فرض لمفهوم واحد للحق وللمواطن وللحرية. هذه القيم توجد دوما في سياق تاريخي واجتماعي. لا ننسى ابدا اننا خرجنا من سياق الدولة/ الامة الي سياق الامبراطورية حيث هناك دوما Multitudes كما يقول نيقري. نحن في عالم الهُجنة ولم نعد في عالم الهوية.

فرنسا متأخرة دوما خمسون سنة عن الثقافة الانجلوسوكسونية.تقريبا هي البلد الوحيد الذي لديه متحف للجماجم. اين حرمة الذات البشرية؟ اليس من حق ذويهم دفنهم في اراضيهم؟ وتسميه " متحف الانسان".

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات