في زجر الاعتداء..

Photo

لم ننس الحملة والضغوط التي مارستها نقابات أمنية وبعض الأحزاب المتناسلة من القديمة بهدف إشراك البوليس في الانتخابات. وتم تمرير قانون بهذا الصدد، ثم لم تتجاوز المشاركة 12 بالمائة في أول مشاركة في الانتخابات البلدية في موفى أفريل 2018، بمعنى أن الذين راهنوا على نقابات البوليس أصابتهم الخيبة. والأهم من ذلك أن الأمنيين انخرطوا في عمومهم وأغلبهم في نهج غير الذي سطره بن علي. ومن ضعف المشاركة في انتخابات 2019 أن وقع التعتيم على نسبتها ولا نجد لها أثرا على محركات البحث، ونعرف أنها طاحت قبل أكتوبر في الانتخابات البلدية المعادة صائفة 2019 إلى ما دون 2 بالمائة فقط في بعض الدوائر.

اليوم الجهات نفسها تسعى إلى التصويت على القانون الجديد المسمى بزجر الاعتداء على الأمنيين والذين ينسحب كما ورد في الفصل 2 من المشروع على "على أزواج الأعوان وأصولهم وفروعهم ومن هم في كفالتهم وكذلك على المتقاعدين والمجندين والتلامذة والمُتربصين". نعم هم يفكرون اليوم في ما لم يفكر فيه بن علي. وهناك رغبة في تمرير المشروع بهدف تقوية سلك قوي بحكم القانون الساري وبحكم الممارسة أيضا سواء قبل الثورة أو بعدها. ومتى؟ في غياب الحرص على استكمال المحكمة الدستورية التي من شأنها أن تنظر في مدى دستورية القوانين وقد ترفض هذا القانون.

الأكيد عندي أن الأمن الجمهوري، كما هو في ظل الأنظمة الديمقراطية، لا حاجة له بقانون لزجر الاعتداء على الأمنيين، لأن عقيدته هي خدمة المواطن والوطن. وأما الذين يبحثون عن قوانين يعتقدون أنها أقوى لحمايتهم، فهم يتصرفون كطائفة، ويريدون فرض الإفلات من القضاء، وتحميل المجموعة الوطنية تجاوزاتهم، إذ ورد في الفصل 8 من المشروع حرفيا "تتولى المصالح المختصة بالإدارة ذات النظر الدفاع عن منظوريها وضمان المُرافقة القانونية لهم في صورة تتبعهم مدنيّا قصد جبر الأضرار المُترتبة عن الأخطاء المُرتكبة في نطاق مباشرة وظائفهم أو بمناسبتها. وينتفع الأعوان بقرينة نسبة الخطأ إلى المرفق وتتحمّل الدولة المسؤولية المدنية عن هذه الأضرار ولها حق الرجوع قانونا على العون أو الغير لدى المحاكم ذات النظر إذا ثبتت مسؤوليتهم الشخصيّة عن تلك الأضرار".

أكيد أن الذين صاغوه بقدر ما هم مرتبكون من الداخل ينظرون إلى المواطن بريبة، تقودهم عقيدة تربوا عليها ما قبل الثورة ركيزتها أنهم فوق القانون أصلا، وأنهم لا يتحملون وزر أخطائهم.

ولكن من حظهم وحظنا وحظ الذين يوجد بين أيديهم المشروع، أن رأينا تحرك النقابات الأمنية يعتصمون في أكثر من مكان. نعم لم ننس ما سبق للبعض منهم أن فعلوه في محكمة سوسة ومحكمة بنعروس في 2018 للضغط على القضاء حتى يطلق سراح أحدهم. وها هم يكررونها في المحكمة ذاتها من أجل الضغط على القضاء أيضا، عقيدتهم أنهم فوق القانون، أو هكذا فهمنا بوضوح تام. وهاهم أيضا في صفاقس يصيحون في وجه السلطة القضائية: ووه، ووه ع القضاء، ويصيحون أيضا في اتجاه القضاء: ديغاج، ديغاج يا خماج. في صورة نراهم فيها فوق القانون وفوق المحاسبة، ومن تراه يزجر الاعتداء على القضاء، وهي مؤسسة لا تملك إلا سلاح القانون؟ ومن تراه يحمي المواطن البسيط ويزجر الاعتداء عليه؟ يتساءل مواطن بسيط مثلي.

رسالة صفاقس لا أوضح منها، بالنسبة إلى المترددين والمتواطئين والخائفين من النواب. هذا قانون طائفي، من شأنه أن يمس بعمق من مبدأ المساواة أمام القانون، ويمس بالتالي من مفهوم الدولة ومن تماسكها. لم يحدث مثله حتى في ظل أنظمة بوليسية، ومن بينها نظام بن علي نفسه. وسيبقى لعنة على من قام بتمريره على مدى التاريخ.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات