عندما تنفجر الغرائز البشرية وتغيب العقلانية

Photo

كلما جدت حادثة شنيعة وآخرها حادثة قتل الفتاة رحمة رحمها الله الا وتعالت الأصوات يل وصدرت الأحكام الفورية الشعبية قاضية بالإعدام وتنفيذه فورا بل يبلغ الأمر الى حد اخراج أقذر الغرائز البشرية من مثل طلب نصب المشانق في الساحات العامة وتقطيع جثة المشنوق اربا اربا ورميها للكلاب أمام الجمهور العريض.

أؤكد بداية أنني أحس بحرقة عائلة الضحية وربما لو كانت الضحية من عائلتي لكنت تصرفت بالغريزة والعاطفة ولكن الأكيد أنه ما هكذا ينصلح حال المجتمعات ولا هكذا تبنى الأوطان إذا كان هذا همنا فعلا وليس مجرد رد فعل غريزي وبحثا عن أمن وهمي سوف لن يأتي في ظل هذه الظروف (اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وقيميا).

والمصيبة أن ردة الفعل هذه لا تقتصر على العامة بل تطال (النخبة) التي من المفترض أن تتعاطى مع مشاكل المجتمع بكل عقلانية بعيدا عن الغرائزية ووصل الأمر بعضو احدى الكتل البرلمانية الى الكتابة بأن من أولى معارك كتلته ستكون اقرار عقوبة الاعدام على خلفية الجريمة الأخيرة ويبدو أنه يجهل بأن عقوبة الاعدام موجودة في القانون التونسي ولكن تنفيذها معلق منذ 1991وطبعا لا يخفاكم بأن فخامة الرئيس المفدى بشرنا في حملته الانتخابية بأنه مع عقوبة الاعدام.

ان من ينتفضون ضد الحادثة الأخيرة مثلما فعلوا في حوادث مماثلة سابقا لم يتوانوا عن نشر صورة الشخص الذي أصدروا في شأنه حكم الاعدام غير القابل لأي وجه من أوجه الطعن ولا عن نشر صور للفتاة الضحية من بيت الأموات في المستشفى فمن سرب هذه الصور وما الغاية من ذلك؟

هل تعتقدون أن الشخص يولد مجرما أم أن المجتمع هو الذي يفرخ المجرمين بكل أنواعهم؟ لماذا لا تدينون ظاهرة تفشي المخدرات والتي لا تعرف أزمة ولا انقطاعا على غرار المواد الأساسية فمن وراء هذه الظاهرة الخطيرة متنفذون وحريصون على توفيرها للشعب الكريم وهي تفسر في كثير من الأحيان عديد الجرائم مثل اغتصاب عجوز تسعينية من قبل شاب عشريني.

أليس من حق من ارتكب أو من يشتبه في ارتكابه جرما أن يمثل أمام القضاء وأن تتوفر له كل ضمانات المحاكمة العادلة والهادئة بعيدا عن الضغط في اتجاه التشفي للتنفيس عن شحنة السادية وعن شحنة الخوف التي تسكننا جميعا من تنامي ظاهرة العنف.

ان الادعاء بأن عقوبة الاعدام (وتنفيذها) ستكون عامل ردع للأخرين تفنده عديد التجارب المقارنة لعل أبرزها بلد الديمقراطية وحقوق الانسان (الولايات المتحدة الأمريكية هههه) الذي رغم عدم الغائه لعقوبة الاعدام فان نسبة الجريمة لم تنخفض.

فطالما لم تعالج أسباب الجريمة الحقيقية والعميقة (وهذه أخر اهتمامات الماسكين بالسلطة) فإننا مقبلون قطعا على فظاعات أخرى.

لا شك أن حكم الاعدام وتنفيذه سيريح نفسيا عائلة الضحية ولكن لن تعود هذه الأخيرة الى الحياة ثم وهذا الأخطر ماذا لو ظهرت بعد سنوات براءة من تم اعدامه وهذ ليس مجرد طرح نظري بل صدرت عديد الكتب والشهادات حول الأخطاء القضائية في العديد من الدول.

فإنما وبحيث فان عنف الدولة ينعكس مع الأسف على (نخبتها) وتبا لدولة لا تحقق الرفاه لشعبها ولا تحصنه من الجريمة ولا توفر له الأمن الحقيقي لا الوهمي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات