هل هو شأن داخلي لا يعنيني؟

Photo

قد يبدو الأمر لا يعنيني، شأن داخلي خاص لحزب لا أنتمي اليه ومن قبيل التطفّل أن أقحم أنفي في شؤون داخلية لمطبخ لست من زبنائه المنتظمين الأوفياء وقد علمتني الحياة بأن لا ألتزم بالزبونية لمطعم أو مقهى أو لعطّار أو لخضّار أو لجزّار، لكن ماذا لو كان ذاك المطبخ واسع الانتشار ورائحة ما يطهوه تداعب أنفك عنوة حتّى لو كنت منزويا في بيتك وقد احكمت غلق ابوابه ونوافذه؟ قد تجابه باعتراض أحدهم: مادخلك وما شأنك؟

وأهل مكّة أدرى بشعابها ومن تدخّل فيما لا يعنيه قد يسمع ما لا يرضيه متناسين أن ما يجري يعنينا بل يمسّنا أكثر من الخائضين مباشرة فيه. هو تدافع وصراع طبيعي قد يحصل في أيّة تنظيمات أو أحزاب وفي الغالب تكون نتيجته حسب الأسلوب الذي به يدار، إمّا انتعاشة ونموّ واشتداد عود وازدهار ومزبد من الانتشار، أو تشقّق وتفتّت وضمور وانكسار.

ما أقدم عليه المائة قيادي من النّهضة كان منتظرا ومتوقّعا والعريضة الّتي قدّموها وتناولوا فيها مسألة التداول القيادي والفصل 31 والديمقراطية الداخلية هي علامة صحّية وشهادة حياة وحيوية ومحاولة حقيقية للتغيير والقطع مع نظام البيعة والانتظام التقليدي، وقد يعاب عليهم الأسلوب والتوقيت، غير أنّ ذلك لا يبرّر حملة التشكيك والتخوين التي تعرّضوا ويتعرّضون لها ممّن استفزّتهم خطوتهم واعتبروها مسّا بذات زعيم يختزلون فيه الحركة والمشروع.

قد تفسّر محاولتهم للمرور بالقوّة و فرض أمر واقع قبل اجراء مؤتمر قادم بأنّهم ربّما لم يجدوا وسيلة غير تلك في ظلّ غياب حوار جدّي و معالجة حقيقية لمشكل عويص في الادارة و القيادة و الريادة،و قد تراءى لهم أنّ مخرجات المؤتمر لن تختلف عمّا فعله الزعيم الرُاحل بورقيبة سنة 1974 ، و قد يستنسخ ما يعاب على الطبوبي فعله حينما عدّل الفصل 20.

هو حراك طبيعي وتدافع عادي يمكن استثماره ايجابيا لو خفت ضجيج بعض من يرفعون أصواتهم ليخفوا ضحالة أفكارهم ولولا الصائدين في الماء العكر وهم كثر. النّهضة كحزب منظم و ذي الانتشار الأوسع هو مستهدف و لا أحد ينكر ذلك، و الرّماة كثر، المؤدلجين ممّن يريدون اقصاءه و محوه من الوجود باعتبار مرجعيته الاسلامية، و ممّن يعتبرون المنتمين اليه أو حتى المتعاطفين معه لا يستحقون مكانا بخلاف السجون أو القبور،و أيضا ممن يكفرون بالتحزّب كشكل من اشكال التنظّم و يرون في النّهضة عائقا أمام مشروعهم الهلامي العبثي، الى جانب محور الشرّ المعادي للثّورات العربية الّذين يرون في النّهضة و التجربة التونسية شرّا خالصا و خطرا يهدّد عروشهم.

لسوء حظّ هؤلاء الموقعين على عريضة يعتبرونها لتصحيح المسار أن تتماهى وتتشابك مع من يريدون اجهاض التجربة وكلّ المسار! هكذا تتلقّف الأيادي العابثة الساعية لخراب الديار من يقولون أنّهم يسعون لإصلاحها! ومن المؤسف أن يبقى النّقاش يدور حول شخص ورأس ولا يتعمّق الى طرح المشاريع البديلة والأفكار؟

لا ينكر أحد قيمة الأستاذ راشد الغنوشي داخل حزبه وثقله على المستوى الوطني والدولي لكن لا يمكن اختزال المشروع في شخص قد يغيب أو يغيّب في حين أنّ الفكرة حيّة لا تموت. لا لوم على الفاشيين و الشعبويين و هواة و ناحتي الأصنام فهم يعملون بمبدئ " اقطع الرّأس تنشف العروق "، و من السذاجة أن يساعدهم بعض المستهدفين المناصرين لزعامة الشيخ، من باب الطاعة العمياء، بجعل كل أهدافهم المرجوّة في رأس شخص واحد يكون مرمى سهلا لسهامهم.

لا اعتقد أنّ ما قبل العريضة سيكون كما بعدها وكل الخوف من أن يسقط الجميع في فخّ نصب بدهاء ودقّة، نحن نحتاج لهيكل حزبي منظم وقوي كالنهضة يكون حائط صدّ أمام محاولات العابثين والمغامرين والدافعين بالمركب نحو المجهول، وبتنا نخشى حقيقة على مسار التجربة التونسية وديمقراطيتنا الناشئة وحرّيتنا وإنسانيتنا أمام الصعود المتنامي للشعبوية والفاشية ومع المؤامرات الّتي تحاك ليلا نهارا لإجهاض التجربة ومكر تزول منه الجبال.

فالمطلوب ليس رأس الغنوشي وحزب النهضة كما يبدو لكن رأسي ورأسك ورأس كلّ انسان حرّ يفكّر ويؤثّر ويغيّر يراد له ان يعود الى ما كان عليه، رأس غنم في اسطبل ينتظر دوره في الذبح. فلذا رجاء من ناصح قد يبدو الأمر أنّه لا يعنيه الى كلّ ذي عقل بأن يحتكم الى عقله حتى لا يكونوا حطبا في معركة تستهدفهم وتستهدفنا جميعا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات