تسميم رئيس الجمهورية و صحافة اللوبيات

Photo

ما أزعجني في صورة الرئيس اليوم هو الخبز في كيس بلاستيكي. هكذا كنت دائما أترك التمعّن في وسامة البطل في الصورة أو في الشريط حتى لو كان توم كروز أو حسين فهمي أو براد بيت وتذهب عيناي للتثبّت في الخلفية سواء كانت لوحة مائلة غفل عنها المخرج أو بحرا غير حقيقي لم يفلح في إيهامنا بأنّه البحر.

اليوم توقّفت عيناي عند الكيس البلاستيكي الذي اعتبرته دوما كارثة إيكولوجية في بلادنا، وفكّرت أنّ الصورة ستصل العالم وأنّها ستحمل رسالة سيّئة عن دولة يفترض أنّها أمضت على مواثيق دولية تتعلّق بحماية البيئة من التلوث والتسمّم الصناعي.

الرئيس كان يحمل بيده إحدى أدوات التسمّم التي يتعرّض لها الشّعب بشكل بطيء جدّا وهو التسمّم عبر التلوّث الذي ينتج أمراضا خطيرة أهمّها السرطان. وكنت أتمنى لو قدّم الرئيس ملاحظة تتعلّق يالأكياس التي يوضع فيها الخبز (محنتنا اليومية) أو يتّخذ قرارا بمنعها نهائيا. وهو القرار الذي تمّ التراجع عنه بعد تحوّل الأكياس في المغازات بمقابل. مظهر آخر من مظاهر استغلالنا المسكوت عنه. من لوبيات المال التي لن تكف عنّا.

أمّا حديث التسميم فلا يمكن أن يكون مفاجئا. إنّه يدخل ضمن الصراع الأزلي الذي نكابد، والذي يسمّم أجواءنا أيضا. جرعات لم تبخل بها علينا طوال عقود صحافة الموت البطيء للروح والعقل. صحافة الإسفاف القاتل. وصحافة الإشاعات التي تخدم جهات مهيمنة، تتدرّج في انقلابها على التجربة، وتحقيق رهاناتها.

الحقيقة أنّ وضع مادّة سامّة في الخبز لتسميم رئيس الجمهورية خبر يدلّ على خيال خلّاق لخبّاز تملّكته الغيرة من مخبزة أخرى ترسل خبزا إلى القصر. خيال يسمح بأن يكون هذا الخبّاز روائيا قادرا على إنتاج روايات عالمية، خاصّة أنّ مخيالنا العربي مليء بحكايا التسمّم التي تعرّض لها خلفاء. وبعضها طريف إلى حدّ الضحك، فالخليفة المهدي أرادت إحدى حظيّتيه، طلة وحسنة، أن تسمّ صاحبتها في قطائف ، فأكل هو منها فمات، فكانت تقول في بكائها إياه: " أردت الانفراد بك ، فأوحشت نفسي منك".

أمّا المنتصر فقيل إنّه قتل بسمّ في تمرات أكلها، وقيل رُمي الزئبق في أذنيه.. وحكايات أخرى كثيرة لعشرات الخلفاء الذين قيل إنّهم ماتوا بالسمّ أو بالسيف. تاريخ لا يخلو من دماء وسموم.

أمّا هنا، وفي زمننا الديمقراطي، فإنّنا نبدع في اختلاق حكايات مسلية نطرب لها ونحوّلها إلى سرديّات متخيّلة نعيش بها ونتصارع. أو هذا ما تصنعه صحافة اللوبيات. لتصفية حساباتها واستعادة قبضتها.

أيضا، وفي سياق الحديث عن الخلفيّة التي تشدّني دوما: العنوان الذي شدّني في جريدة الأكاذيب المألوفة ليس المتعلّق بالرئيس، بل العنوان التالي: عبير موسي تسحب البساط من الأحزاب الوسطية.

هنا مقتلنا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات