ليبيا: هناك جهل بالجغرافيا والديمغرافيا، وبهويّة الانتظام السياسيي

Photo

هناك كثير من سوء الأدب والتعالي الفارغ في التعامل مع الملفّ الليبي وأشقّائنا في ليبيا. فليبيا في خطاب أغلب ساستنا وفي إعلامنا (أستثني أهل الاختصاص والخبراء)، بقصد أو بغيره، هي إمّا نفط وغاز ومواطن شغل وحصّة من إعادة الإعمار أو هي قبائل متناحرة لا تحرّكها إلا الرابطة الدمويّة حتّى يُقترح عليها "لوياجرڤا". المصالح حقيقة والسعي فيها واجب. ولكنّها تُقَارَبُ من خلال قيمة الإخوّة والمستقبل المشترك.

هناك جهل بالجغرافيا والديمغرافيا، وبهويّة الانتظام السياسيي قبل دولة الاستقلال، في تونس وليبيا وفي مجالنا العربي. ولقد كان للقبائل والعروش في الجهتين مجالسها السياسيّة وتسمّى "الميعاد"، وهي أشبه بالبرلمانات فيها يتّخذ قرار الحرب والسلم والشأن الاقتصادي والمعيشي، ولم يُخف الجغرافي الفرنسي L . pervinquière إعجابه بهذه "الديمقراطيّة المختلفة".

كان لها وعي بالاستراتيجيا وبما تعرفه المنطقة من تحوّلات جيوسياسييّة. وهذا مثبت في مخطوطات (حجج) تشير إلى اطلاع على ما يدور من صراع في العالم وما كان بين الباب العالي وأوروبّا. حتّى أنّ "مؤذّن جامع" سيدي علي بن عبيد الأصابعي (أصله من الأصابعة بليبيا) في مدينة مدنين تعمّد الخطأ برفع العلم التركي، وهو ممنوع، على قمّة الصومعة بدل راية الوليّ إشارة إلى انتماء تونس الإسلامي وهي تحت النفوذ الفرنسي.

ليبيا مجتمع ناهض تتكامل فيه الأبعاد القبليّة والمناطقيّة والجهويّة والطبقيّة. وفي ليبيا حواضر كبرى ومدن عريقة لها تاريخها السياسي والعلمي والفنّي وعمارة إسلاميّة وآثار قرطاجيّة ورومانيّة عظيمة. وفي ليبيا نخبة واسعة حديثة جيّدة الثقافة والتعليم تدفع نحو الدولة المدنيّة والحياة السياسيّة الديمقراطيّة وترفض العسكر واستبدادهم. في ليبيا كانت "الجمهوريّة الطرابلسيّة" (1918) أسّسها المصلح والزعيم الليبي سليمان الباروني. وهي أوّل جمهوريّة في البلاد العربيّة.

زرنا ليبيا وعاصمتها، ولنا فيها قرابة ونسب وتاريخ مشترك. وأنت متّجه إلى العاصمة مرورا بمدن الغرب الليبي لا تجد فارقا في العمارة والأخلاق والهندام إلاّ بمثل ما يقوم بين مدننا في تونس من تنوّع العادات المحليّة.

تبعد مدينة مدنين مركز ولاية الجنوب الشرقي الساحلي عن العاصمة تونس 480 كلم. وهي لا تبعد عن طرابلس إلاّ 218 كلم. حينما نقول نحن بلد واحد هذا ليس من خطاب الخشب الديبلوماسي الموروث عن دولة الاستبداد، وهو خطاب بايت يقال في المناسبات بالعبارات الركيكة نفسها.

وعندما نقول إنّ الملفّ الليبي ملفّ داخلي ليس هذا من حذلقة الاستراتيجيا...نحن فعلا بلد واحد، وهذا ما لم يُقَل أمام ماكرون المهمّش ليبيّا والمورّط إفريقيّا. وعوّضه اعتذارٌ لفرنسا من رئيس الجمهوريّة عمّا كان من "توظيف سياسي" من قبل بعضهم (ائتلاف الكرامة) بطرحه لائحة تدعو فرنسا إلى الاعتذار عن احتلالها. ولم يكن من فريق ميدي شوي اليوم أيّ تعليق جادّ على هذا الشأن الداخلي يُنشَرُ في الإليزي.

سنفيق ولكن، بعد فوات الأوان، وننتبه إلى أنّ ما جرى في ليبيا من جهة تأثيره على المجال العربي والعالم كان بحجم آثار "فتح القسطنطينيّة"…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات