اختراقات الحزب الدستوري

Photo

الحزب الدستوري..

بعد خطاب منديس فرانس في 31 جويلية 1954، سُمح للحزب الحر الدستوري بالعمل القانوني في سبتممبر 1954 وكان عدد أعضائه يقدرون آنذاك ب80 ألفا. وبعد ثلاثة أشهر فقط ارتفع عدد أعضائه إلى 350 ألف في ديسمبر 1954 أي أنه تضاعف أكثر من أربع مرات، وكان من الواضح أن مستقبل البلاد بين يديه. ولم تكن لهؤلاء الشجاعة قبل ذلك للانخراط فيه، وفيهم الكثير من القوادة الذين انضموا إليه ليضمنوا مستقبلهم.

خلال الصراع اليوسفي البورقيبي، انشق الحزب مناصفة تقريبا، وفقد من بين الثمانين ألفا حوالي نصفهم انضموا إلى اليوسفية، ونقص بالتالي بين صفوفه أولئك الذين ناضلوا وقت الشدة. وهو ما يعني أن الحزب الدستوري تحول تحولا جذريا عما كان عليه خلال فترة النضال الوطني.

اختراقات الحزب الدستوري

أكيد هناك من مارسها دون تنظير ولا إعلان ولا اعتراف. إلا أن أقدم نص ينظّر ويدعو لدخول الحزب الدستوري بهدف التأثير عليه من الداخل، قد نشرته في أواسط الستينات مجلة "برسبتكيف" السرية التي كان يصدرها تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي التونسي (اليساري).

وكان أشهر شخص آنذاك اخترق الحزب الاشتراكي الدستوري هو عمر السحيمي الذي كان في لجنة التنسيق الحزبي بقفصة وفي الجامعة القومية للطلبة الدستوريين، ثم تم الكشف عنه وحوكم في 1968 مع حزب البعث، وتمت تصفيته فيما بعد في بيروت، وقد اتجهت أصابع الاتهام في البداية إلى النظام التونسي ثم استقر الرأي على البعث العراقي. وتلك قصة أخرى.

آخرون اخترقوا الحزب الدستوري، وربما تغيرت قناعاتهم في الأثناء، منهم ناصريون من أجيال مختلفة، وخلال المواجهة بين النهضة والنظام في مطلع التسعينات تم الكشف عن أكثر من إسلامي في صفوف الحزب الدستوري.

إلا أن أكبر عملية اختراق أو زحف على التجمع الدستوري هي التي قام بها المئات من الوطد بعد انقلاب 7 نوفمبر، وقد تبوؤوا فيه مواقع قيادية، واستفادوا من ذلك في التوظيف في مختلف الخطط في الإدارة والدبلوماسية والإعلام والثقافة، بل حتى في لجان التفكير التجمعية، وكان لهم تأثيرهم على مستوى الممارسة والخطاب داخل التجمع، بما يجعلهم موضوعيا شركاء في ما قام به بن علي خلال ما يزيد عن عشرين عاما. ملف مغلق.

الحزب الدستوري الجديد..

ما سأقوله عنه ينطبق على كل الأحزاب، وإن بدرجات مختلفة حسب الحجم وحسب الدور التاريخي. وعلى كل فالحزب الدستوري سواء في الفترة الاستعمارية أو وهو في السلطة كانت فيه مجموعة تيارات وخيارات واتجاهات مختلفة وحتى متعارضة وأحيانا متصارعة، ولا يمكن بالتالي النظر إليه على أنه كل واحد، أو أن المنخرطين فيه كانوا كقوالب الاسمنت المتشابهة.

قارنوا في التوجهات الاقتصادية مثلا بين أحمد بن صالح والهادي نويرة، أو في الخيارات التربوية بين محمود المسعدي ومحمد مزالي، أو بين محمد الصياح ومصطفى الفيلالي في إدارة الحزب... ويمكن إعطاء العشرات أو المئات من مثل هذه الثنائيات التي يمكن للبعض أن يصنفها بين صقور وحمائم، أو حتى بين يمين ويسار حسب لغة التصنيفات الفرنسية، أو بين الحداثة والمحافظة. ومن نافلة القول إن هذه الثنائيات ليست متوازنة من حيث حجمها أو قوتها، ولكن الأكيد أنها كانت موجودة ويمكن التدليل عليها بيسر.

وفي نفس هذا الإطار يمكن أن نميز في الحزب الدستوري الجديد بين خط ديمقراطي وآخر فاشي. الخط الفاشي هو الذي اعتدى على الشيخ عبد العزيز الثعالبي في سبتمير 1937، وهو نفسه الذي كون ما يشبه الميليشيا في الأربعينات والتي عرفت باسم "السواعد المفتولة"، في إشارة إلى استعمالها للعنف ضد معارضي الحزب من الحزب الدستوري القديم أو من الطلبة الزيتونيين، وكانت بعض قيادات الحزب تلجأ إلى تنظيم ميليشيات في فترات أو في أخرى مثلما فعلت في 1955-1956 ضد اليوسفيين وفي 1978 ضد النقابيين ومثلما فعلت في 1987 تحت تسمية "لجان اليقظة" والتي أطلق عليها اللسان الشعبي اسم "عيون لا تنام". مجموعة عبير موسي هي المعبر عن هذا الخط الميليشيوي الفاشي للحزب الدستوري.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات