لنتحدث عن "وكالة A2T" المزعومة التابعة لوزارة تكنولوجيا الإتصالات…

Photo

أن يكون في تونس، بلد الريزو طايح في مقرات السيادة مثل المحاكم وقباضات المالية والبنوك، من يقدر على التجسس على مكالماتنا الهاتفية أو مراسلاتنا، فهذا شيء غير مستبعد من حيث التقنية والواقع وخصوصا الأخلاق، فقد تجسس الأمريكيون على هاتف حليفتهم مستشارة ألمانيا بعد أن قضوا عقودا يتجسسان معا على مكالمات بقية الأصدقاء قبل الأعداء، نظريا، بإمكان أي مغامر أن يزرع أجهزته في الشبكة لاختراقها ولسنا أكثر حصانة ممن يصنع هذه الأجهزة، لكن ثمة فارق ضخم بين أن يكون مغامرا أو أن يكون جهازا خاضعا لسلطة الدولة في مقرات الدولة،

كل حكومات هذا العالم البائس لا تقاوم الرغبة الغريزية للسلطة في التجسس على مواطنيها وهيئاتهم الدستورية والمدنية، هناك مشكلتان فقط، الأولى هي أن يتفطن عموم الناس والثانية هي انحدار التجسس إلى الشركات الخاصة بالمناولة للحكومات أو اللوبيات، وليس هناك أدنى شك أن أكبر مستثمر في هذه التقنيات سواء عند الصنع أو البرمجة أو الاستعمال هي أجهزة التجسس نفسها واللوبيات الجديدة لكي تضمن لنفسها "ثغرة تقنية غير مرئية" تطل منها على ما يقوله أو يفعله الناس، حتى أقرب أصدقائها إن كان ثمة معنى للصداقة في هذا العالم البائس.

وعند فضح التجسس، يتظاهر الضحية بالصدمة والاستنكار قبل أن يطلب المقابل ويصمت المتهم وتقبل بعض الرؤوس التظاهر بأنها تلقت عقوبة ظالمة لأنها ضحية عمل حكومي، والحقيقة أنها جرائم ودية صغيرة بين الأصدقاء يتم ترتيب خسائرها في الظلام دائما، لكي يستمر الجميع في متعة التلصص على ما يقوله الآخرون، سواء كانوا أصدقاء أو أعداء،

لنعد إلى تونس، بلد "الريزو طايح" في أكبر المؤسسات السيادية مثل المحاكم وقباضات المالية والبنوك، وحيث يوحي الوضع تقنيا أنه بإمكان أي مراهق أن يزرع أجهزته البدائية في أية شبكة لاختراقها، لكن ثمة فارق بين عمل المغامرة التي لا تلبث أن تنكشف والقرار العمومي بإنشاء شبكة تجسس في مقرات وزارة وبوسائل الدولة، أعتقد أنه من المستحيل أن يقدر وزير على إنشاء شبكة تجسس هاتفي أو شبكي دون إثارة انتباه بقية المتدخلين وكبار المستعملين العموميين والخواص وحتى الأشخاص العاملين في الوزارة،

وأن إنشاء "مجلس شورى للتجسس التقني" في وزارة تكنولوجيا الاتصال عمل أخرق وانتحار سياسي أحمق، دون اعتبار أنه جريمة تؤدي إلى السجن، لا يأمن صاحب هذه الفكرة الحمقاء من تسرب الخبر وسهولة إثبات الجريمة،

من الأسهل لأي حزب سياسي أو لوبي أو جاسوس أجنبي أن يزرع أجهزة تنصت على الشبكة في الفضاء العام بين الأشخاص المستهدفين وموزع الخدمات، قد تكون سيارة متحركة، مقرا لشركة لا تثير الشكوك أو حتى سكنا عائليا عاديا، هذا في كل الحالات أسلم وأفضل للتجسس، دون اعتبار أنه سيناريو أكثر واقعية لاتهام أي حزب بأنه حول مقر وزارة وموظفيها ووسائلها إلى شبكة للتجسس على الناس، حتى التجسس فيه أصول،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات