قبل فوات الأوان…

Photo

ألا تتحمل النخبة المثقفة مسؤولية التقصير بعدم اتخاذها مبادراتٍ جامعة تعمّق من خلالها الوعي بالقضايا المشتركة ورهانات الانتقال الديموقراطي ومتطلباته؟ وقبل ذلك، هل انخرطت فعلاً في عملية الانتقال؟ لماذا توصّلت اطرافٌ غيرُها الى المساهمة الفعّالة في تسطيح الوعي، وشيطنة المكتسبات وافراغ المفردات من محتوياتها؟ هل كانت مؤمنة بــ "قضيتها" أكثر من الأولى؟ هل كانت قضيتُها أعدل؟

أم أن أغلبية الناس لم ينخرطوا حقيقة في مسار التغيير؟ ما هو نصيب الإخفاق في تحقيق أهداف التنمية من مجموع عوامل تدني الخطاب السّائد في الفضاء العام وتدني منسوب الثقة في النحبة السياسية؟ ما هو دور النخبة السياسية في ذلك؟ هل تصور أحدٌ يومًا أن تصل الأمور الى هذا الحدّ من العنف والترذيل والسباب؟ أليس من البؤس أن يتمحور خطاب العديد من الأحزاب حول "نفي الآخر" لكسب نقاط سياسية سهلة المنال؟ أليس من المكر الفاضح أن تُطرح القضايا السياسية العامّة من زاوية "القصص الشخصية"؟

ألم يكن من الأجدر أو بالأحرى من "الرِّجْلة" أن يفرضوا أنفسهم في الساحة السياسية ببرامج اقتصادية واجتماعية جدّية وبحلول تستجلب النخبة المثقفة والكفاءات الوطنية، عوض الالتصاق "بحائط المبكى" في وسائل الاعلام؟ أليس من الغش أن يقبل أشخاصٌ نكراتٌ في "اختصاصاتهم" المزعومة مسؤوليةً في بعض المناصب الحساسة في أعلى هرم الدّولة وهم يعلمون جيدا أنهم ليسوا لها؟ ألا يضر ذلك بمصلحة البلاد؟

ما الذي أحدث أزمة الثقة التي تبدو هيكليةً ضمن وبين وتُجاه المكونات السياسية؟ أليست مرآةً لأزمة اجتماعية متعددة الأبعاد ومُختزلة في علاقة التوتر بين المواطن والدولة، يقتاتُ منها بعض السياسيين العاجزين على القيام بدورهم الأصلي في الشأن العام؟ ما هي الرسائل التي يتلقاها الشباب المقبل على الحياة؟

شباب كان ضمن الأطفال قبل عشر سنوات، وليس له أي مشكل أيديولوجي مع أي طرف. ألا نلاحظ تراكم وتضخّم عدد "القيادات السياسية" بدون رصيد سياسي ولا فكري ولا تتوفر فيهم المواصفات الريادية الظاهرة على الأقل؟ وفي اثناء تضييع الوقت والفُرص، ألا تتراجع البلاد؟ ألا تتعطل أمور الناس؟ الا تتوقف عجلة الإنتاج؟ الا تضعف الدولة؟ ألا ينقسم التونسيون بين رافص ومؤيد ومُغيّب ومحتكر وانتهازي وتائه وسطحي وفاقد الثقة في غيره ومُهمّش وغشيم؟

لماذا لا يتمّ الاطلاع على تاريخ التجارب الانتقالية المتعلقة بشروط نجاح مسارات الدَّمقْرطة وأسباب انتكاستها، ثم مقارنة الواقع التونسي؟ ولماذا لا يتواضع بعضُهم تجاه علم الاجتماع السياسي الحديث الذي يمنح أدوات التحليل لواقع المرحلة الانتقالية الحالية وأولوياتها، والذي يبوّب أدوار الفاعلين الأساسيين في إدارة الانتقال، ويشخّص حالة الوعي السياسي لدى الناخبين ويوضّح سُبل الارتقاء به ويفكك دينامية النخبة السياسية ومحددات شراكاتها، كما ينزع اللثام عن الدور السلبي للأيديولوجيا وللعنف بكل اشكاله خلال الانتقال الديموقراطي؟ الا يرتقي ذلك بمستوى الخطاب السائد؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات