نداء إلى الشعب الفلسطيني في أرض فلسطين التاريخية وفي بلدان اللجوء والشتات

Photo

تسعى الإدارة الأمريكية، مع إسرائيل، وعبر ما يسمى "صفقة القرن"، مستغلة الظروف الدولية والإقليمية والعربية والفلسطينية الصعبة والمعقدة، إلى إنهاء قضية الشعب الفلسطيني، وتصفية حقوقه، ووأد تطلعاته الوطنية، واليوم، كما عبر تاريخ البشرية، تقف قوة الحق في مواجهة حق القوة، وقوة العدل في مواجهة قوة الظلم، وقوة التحرر في مواجهة قوة الاستبداد.

وكما شهدنا، ليست تلك المحاولة الأولى من نوعها، ولا هي قدرا يفترض الاستسلام له، فشعبنا الذي واجه، عبر تاريخه، المشاريع الظالمة، التي تصدر عن عقلية استعمارية عنصرية، معادية لقيم الحرية والكرامة والعدالة وحق تقرير المصير وحقوق الإنسان والقرارات الدولية، سيواجه هذا المشروع، أيضا، بالتمسك بقضيته العادلة، بحقوقه الوطنية والتاريخية، بتعزيز صموده في أرضه، واستعادة وحدته الوطنية على أرضية النضال والمقاومة الشعبية المشروعة، مهما كانت الصعوبات والتضحيات، فهذا هو الطريق الوحيد، في الصراع على الوجود والحقوق، وعلى الأرض والمعنى، وهو ما تمثل في الإجماع الوطني على رفض تلك الصفقة التصفوية.

في هذا الإطار، ومع التقدير لموقف قيادة منظمة التحرير (وقيادة حماس وبقية الفصائل) الرافض لتلك الصفقة، إلا أننا نؤكد بأن ذلك ليس كافياً ولا يعفيها من مسؤوليتها في تبديد أو إضعاف أوراق القوة التي يمتلكها شعبنا، وعدم إعدادها له ولكياناته الوطنية الجمعية لمواجهة تلك اللحظة الخطيرة، وأيضا فيما انتهجته من خيارات سياسية، وطرق عمل وإدارة، أسهمت كلها في الوصول إلى هذه الحالة من الضعف والتفكك والإحباط وخيبات الأمل، وأدت إلى تبديد أو تآكل الإنجازات الوطنية التي كانت قد تحققت، أصلا، في سبعينيات القرن الماضي.

مثلا، فإن تركيز الخطاب السياسي على فكرة الدولة في الضفة والقطاع، منذ أواسط السبعينيات، سيما مع إقامة السلطة وفقا لاتفاق أوسلو (1993) الناقص والمجحف والجزئي والغامض، أظهر وكأن الصراع مع إسرائيل بدأ مع احتلال 1967. هكذا اعترفت القيادة بإسرائيل من دون أن تعترف بشعبنا وبحقه في تقرير مصيره، ووقّعت اتفاق تسوية معها دون توضيح ماهية التسوية ومآلاتها، وتحولت من الصراع على ملف النكبة (1948) إلى الصراع على ملف الاحتلال (1967) من دون تعريف إسرائيل كدولة محتلة (على الأقل في الضفة وغزة)، وأخرجت اللاجئين من معادلات الصراع، بتحولها من حركة تحرر وطني للشعب الفلسطيني إلى سلطة لجزء من الشعب على جزء من الأرض، ثم إنها همشت منظمة التحرير الكيان المعنوي الجامع للشعب الفلسطيني، من دون أن تحظى بسلطة على الأرض والموارد، ببقائها عند حدود سلطة حكم ذاتي على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

في المحصلة، وبغض النظر عن النوايا، فإن ذلك الخيار، والخطاب، أدى إلى أول انشقاق في الوعي السياسي والجسم الفلسطيني، وإضعاف مكانة منظمة التحرير، بحيث لم تربح منه لا القضية ولا القيادة شيئا، علما أن إسرائيل ظلت متمسكة بروايتها، وبطابعها، كدولة استعمارية استيطانية عنصرية، إزاء الفلسطينيين في فلسطين التاريخية، وإزاء فلسطينيي الضفة وغزة وإزاء الفلسطينيين اللاجئين، بل هي ظلت متمسكة بما تدعيه حقها في الضفة سيما في القدس، على ما شهدنا، علما أن حل الدولتين، أو الدولة في الضفة والقطاع، انتهى بتوقيع اتفاق أوسلو، بما نص عليه، وهو ما أكدته إسرائيل في كامب ديفيد 2 (2000)، وما أدركه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الأمر الذي أدى إلى الانتفاضة الثانية، وها هو ترامب مع نتنياهو يعلنان دفن هذا الخيار، نهائيا، في تلك الصفقة.

أيضا، فإن القيادة الفلسطينية لم تفعل شيئا، بعد انتهاء الانتفاضة الثانية (أي منذ 15 عاما)، ووضوح انسداد خياراتها، برسم خيارات بديلة أو إنشاء بني قادرة على حمل خيارات أخرى، أو موازية، علما أن كثيرا من ذلك طرح كبديل عن خيار أوسلو في حينه، لكن التفرد بالقرار، وضعف المشاركة السياسية وتغييب الأطر الوطنية أوصلنا إلى ما نحن فيه، وفي ذات المقدار فإن قيادة سلطة حماس في غزة ذهبت نحو خيار الانقسام، ما فاقم من أزمتنا الوطنية. لذا تبدو الدعوات اليوم، من قبل السلطة في الضفة وغزة، للرفض والانتفاض، على أهميتهما، ناقصة، ومتأخرة، ولا تغطي على الفجوة بين السلطة والشعب، وعلى على استئثار السلطتين بالقرار، وعلى كبحهما أية حراكات شعبية سياسية أو مطلبية.

وفي كل الحالات فإن القيادة الفلسطينية التي انتهجت خيار التسوية كبحت كفاح الفلسطينيين، ضد إسرائيل، بحيث بدا كفاح فلسطينيي الضفة وغزة قبل إقامة السلطة أكثر قوة وتحررا ووحدة في مواجهة سياسات إسرائيل الاستيطانية والاستعمارية والعنصرية مما بات بعدها، علما إنها أطاحت حتى بقرارات المجلسين الوطني والمركزي بشأن وقف التنسيق الأمني ومراجعة العلاقات مع إسرائيل، من الناحية العملية.

هكذا، نحن الآن إزاء لحظة للحقيقة، تقتضي الصراحة، السياسية والأخلاقية، ولو تضمنت بعضا من قسوة ومرارة، إذ الواقع أقسى وأمر وأعقد بكثير مما يكتب عنه، على ذلك فإن الدعوات إلى الرفض والصمود والمقاومة، يفترض أن تتعزز برؤى سياسية، وبخطوات عملية، حتى تأخذ معناها. وبهذا الصدد فإننا نقترح الآتي:

أولا، استعادة الخطاب الفلسطيني المؤسّس، القائم على جوهر الصراع المتمثل في النكبة (1948)، وتوصيف إسرائيل كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية، وصياغة رؤية سياسية تعيد الاعتبار للتطابق بين قضية فلسطين وأرض فلسطين وشعب فلسطين، لأن ذلك وحده ما يطابق بين الحقيقة والعدالة وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان، والقرارات الدولية ذات الصلة، والتي تكفل المساندة العالمية لحقوقنا. والتأكيد على أن أي حل لجزء من حقوق شعبنا لا يأتي على حساب حقوق جزء آخر، وأن أي حل يجب أن يتمثل مصالح شعبنا في كافة أماكن وجوده في فلسطين التاريخية وفي بلدان اللجوء والشتات، وأن الصراع على فلسطين يشمل الصراع على الحقوق الفردية والوطنية، وعليه فإن أي حل يفترض أن يتأسس، أيضا، على الحقوق الوطنية المتساوية بين جميع الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود، وبما ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية، وشرعة حقوق الإنسان.

ثانيا، إعادة بناء الكيان السياسي الجمعي القائم (منظمة التحرير) باعتباره كيانا لكل الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده، بحيث لا يستثني أي تجمع في الداخل وفي الخارج، على قواعد نضالية، مؤسسية وتمثيلية وانتخابية وديمقراطية، والفصل بين السلطة والمنظمة إداريا ووظيفيا، مع إيجاد النظم التي تكفل إنهاء الفساد والزبائنية والمحسوبية في بني المنظمة والأجهزة المنبثقة عنها، مع تأكيد دور السلطة في إدارة أحوال المجتمع الفلسطيني في الداخل، بعد إصلاحها على الأسس المذكورة.

ثالثا، ابتداع أشكال كفاحية تعتمد على الشعب، وإمكانياته وتجاربه النضالية، بحيث توازن بين الكلفة والمردود، وبين التضحيات والإنجازات، والتي يمكن استثمارها سياسيا، والتي تستنزف العدو، وتنمي تناقضاته أكثر مما تستنزف شعبنا الفلسطيني، وتجعل الاحتلال باهظ التكاليف يضطر معها أن يعيد حساباته في جدوى الاستمرار في سياسة الاستعمار الاستيطاني، سيما أننا في صراع طويل، لا يمكن حسمه من طرفنا إلا بتوفر الظروف العربية والدولية المناسبة.

رابعا، نوجه دعوة لكافة أبناء وبنات شعبنا، في الوطن وبلدان اللجوء والشتات للقيام بمجموعة أنشطة، حسب الظروف المتاحة، للتعبير عن رفضهم لصفقة القرن والإعلان عن استعدادهم للاستمرار في النضال إلى أن يحقق الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره فوق تراب وطنه، والتأكيد بأننا لن نتنازل عن حقوقنا. وهذه مناسبة لدعوة قوى التحرر والتقدم والديمقراطية في العالم العربي لمواجهة تلك الصفقة التي تقتضي شرعنة وجود إسرائيل في المنطقة، ككيان استعماري واستيطاني وعنصري، يقف على الضد من مشاريع التحرر والديمقراطية والتقدم في العالم العربي. كما نناشد أحرار العالم والقوى المحبة للسلام للتضامن مع شعبنا باعتبار أن تلك الصفقة تستهدف تقويض الشرعية الدولية وقيم العدالة والمساواة وحق تقرير المصير.

يا شعبنا الأبي الصامد، في فلسطين، وخارجها، ربما يتم طي صفحة من عمر الخيارات وطرق العمل الفلسطينية، التي تم انتهاجها في المرحلة الماضية، لكن ذلك لا يعني ولا بأية حال أن قضيتنا ستنتهي، لأن قضايا الحرية والعدالة لا تموت، فهي تبقى، ما بقي الشعب على إيمانه بقضيته وحقوقه، وما بقي على صموده وتضحياته وبطولاته، وهذا ما أثبته شعبنا طوال المئة عام الماضية.
"ملتقى فلسطين".

القدس، حيفا، رام الله، غزة، بلدان اللجوء والشتات

إبراهيم فريحات، أسعد غانم، أحمد برقاوي، باسل أبو حمدة، بكر عواودة، جابر سليمان، خالد الحروب، خالد عيسى، رضا جابر، سري نسيبة، سعاد قطناني، سعيد زيداني، سمير الزبن، صلاح ازحيكة، عبد الحميد صيام، عبده الأسدي، علي حيدر، عوض عبد الفتاح، عبد الغني سلامة، عبد الرحمن بسيسو، عبد الكريم الكسواني، عوني المشني، كامل اسحق الحواش، لبنى مصاروة، ماجد كيالي، ماجد عبد الهادي، محسن أبو رمضان، محمد إبراهيم، مصطفى الولي، مصطفى أبو هنود، ناديا نصر نجاب، يحيى قاعود، يوسف سلامة،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات