حراك شعب المواطنين بين "ملحمة الأمل" و "خوخة البؤس المعتاد" في الرد على مقال سعيد الجندوبي

في مقال له بعنوان "حراك شعب المواطنين بين الحتمية وعدم الإمكان"، حلل الصديق المدوّن والمناضل سعيد الجندوبي الواقع السياسي اليوم في تونس، واختزل المشهد في فراغات ثلاثة: اللاحُكم؛ اللامعارضة؛ اللاأمل. وخلُص إلى القول بأن "حراك شعب المواطنين" ضرورة سياسية وأخلاقية لمواصلة - مسارات ثورة 17 – 14.

قد أتفق مع الصديق سعيد في كثير من ثنايا رصده لواقع المعارضة، وسعي ما سماه بــــ"الثورة المضادة" إلى ملء الفاراغات المتروكة في ظل ضعف المعارضة وغياب القوى الثورية عن الفعل في تغيير الواقع. ولكني سأتوقف عند بعض التقريرات العَجْلى حول ما اعتقد أنه "ضرورة تاريخية"، متحدثا عن خيار هو أحد صانعيه والمساهمين فيه بعطاء وتجرد: "حراك المرزوقي".

بلى، كنتُ – كما الكثيرين مثلي – شاهِدًا على (ومساهمًا في) الوضع الجديد الذي أفرزته الحملة الانتخابية وخاصة في مراحلها الأخيرة، وضعٌ ‘‘لم يحدث حتى خلال أحداث ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي’’ (كما قال الجندوبي)؛ ولكن السؤال المركزي الذي مرّ عليه الصديق سعيد مرور الكرام، مشيرا له دون توقّف، هو لماذا رفض الدكتور المرزوقي إشراك كل الطيف الذي التفّ حوله في الانتخابات تحت يافطة "جيناك بلاش فلوس" (وهو بالمناسبة شعار من إبداعات نور الدين العلوي) في تقييم علمي لتفكيك "الحراك الذي حدث داخل الكتلة التاريخية"، والقبض على ذلك "القبَس من نور" الذي جعله يحصد عشرين مرّة أضعاف ما حصده حزبه في الانتخابات التشريعية؟ ولماذا أصرّ القائمون على حملته استبعاد أي محاولة للتقييم والمحاسبة والشفافية لحملة فريدة ونتائج فارقة قبل البناء على مشروع يمكن أن يفرزه الحراك ؟

أنا معك سي سعيد في أن فهم فكرة الحراك يستلزم الرجوع إلى لحظة الولادة وظروفها، ولكن ذلك لن يظهر – حسب رأيي – في خطاب الشُرفة وحده، بل ربما في كل المعارك الصغيرة التي حدثت على طول الحملة وطرق إدارتها، وفي التثبت من قدرة الحراكيين الأُوَل على تحمل أعباء النقد والشفافية مع "شعب المواطنين" الذين يعود لهم الفضل فيما حصل، وفي مواجهة القائمين الصادقين على الحراك لحقائق الأرض والسماء فيما آلت إليه الأمور.

هل ما خرج من قبّعة الساحر (متمثلا في الحراك) هو فعلا ما ينتظره الناس كما تقول، وهم قد وقفوا بعد أشهر عديدة من الإعلان عنه على صَغار نفوس بعض المتكلمين باسمه ؟

سأترك الحديث عن التزوير الكبير الممنهج لنتائج الانتخابات (بحسب قولك، وهو أمرٌ لا يقره المرزوقي وإدارة حملته)، وسأترك الدخول في الخيانات التي تعرض لها المرزوقي في الانتخابات إلى فرصة لاحقة، وسأتوقف عند النتيجة التي خلُصتَ إليها في آخر مقالك:

‘‘الجواب آت لا محالة..

فإمّا الظهور من الباب الكبير.. باب القيم والملاحم والأمل والمواعيد مع التاريخ.. وإمّا الخروج المنتكس الخجول من "خوخة" البؤس المعتاد..’’

استسمحك، وأعتذر لذكائك وصدقك ونفسك العالية، كما الثوار جميعًا، ولكني أعتقد أن جُملة الظهور من الباب الكبير جملةٌ اعتراضية لا محلّ لها في السياق. إذا كنا نعتقد فعلا بصوابية وأحقية فكرة "حراك شعب المواطنين"، فمن العبث أن تطلب من "أعدائها" (حقيقة أو إفتراضا) أن يكونوا في موعد مع التاريخ.

الأمل فيكم أنتم أصحاب المصلحة الحقيقية في الحراك، والخميرة أمامكم فدونكم والعمل معها / وبها لبناء مستقبل أفضل.

Photo

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات