فنون التشكيل و "التشليك"

Photo

في صبانا و في زمن المحبرة و الريشة و الجفّاف واللوحة و الطباشير و مسعودة و "الشلاكة" و الحذاء الرياضي "الغزالة" لمن استطاع اليه سبيلا و المحفظة و المنديل الّلذان يشهدان على أوّل فرد في العائلة عتب المدرسة ليتسلّمهما من يليه،كنّا في خطواتنا الأولى نتحسّس الأشياء و نتعرّف على الموجودات، كانت من بين التمارين الّتي طالما تدرّبنا علينا هي التعرّف على العناصر و ايجاد العلاقة بينها لضمّها في مجموعات...اربط بسهم...شكّل مجموعة…

هي بعض الأساليب الّتي شكّلت منطقنا في البحث عن علاقة ارتباطية بين العناصر المختلفة فكانت من دواعي قهقهاتنا البريئة أن يجعل أحدنا أرنبا في مجموعة واحدة مع عصفور أو كرة مع اقلام... في زمن الأوراق النقدية المزيفة و الأقراص و الأعواد و الغمّيضة و "الخطّة" و"الكريدة" و السبع حجرات و الكجّات و الخذروف، كانت من أصعب المسائل أن يملى علينا نصّا و نطالب بشكله لتكتشف صعوباتنا في الاعراب و النّحو و الصرف و مطبّات الرّفع و الكسر و النّصب و التنوين و المدّ و الهمزة التي لا يستقرّ لها مقاما ،على الواو أو الياء أو السّطر.

في زمن تلك المقاعد الخشبية و شجر التّوت و السّاحة و "الكونتينة" و الصفّ المنضبط و الجرس و المعلّم الّذي لا نعلم فوق مقامه مقاما،كنّا نتشكّل بشكل جعل أغلبيّتنا تتعاطى ايجابيا على ما اعترضتها من اشكاليات في طريقها و بطريقة تجاوزت التّسطيح و الشّكليات.

في ذاك الزمن الجميل ،من كان غالبيتنا ينتعل "الشلاكة" لم "نشلّك" أحدا خصوصا من علّمونا الكلمات. الشكل و التشكيل و الاشكال و المشاكل كنا نعرفها كما في مجالها بمعانيها حتّى تشوّهت في زمن اغتصاب المعاني و الكلمات .

التّشكيل مثلا صار معنى لأن يصطاد أحدهم احداهنّ في شراكه و يجعلها في "شكلة" او أن تفعل احداهن بالمثل مع أحدهم. و صار مثلا يعلّق أحدهم على أنّ فلان أطاح بفلانة صريعةليأكلها حتّى التّخمة ثمّ خرج متفسّحا يبحث عن صحن تونسي أو دجاجة ينكحها .

لخبطة أصابت فتحاتنا القطبية و لا عجب حين صار الضراط تعبييرا و كشف الأرداف و الصّدور حداثة و تفكيرا!

و التشكيلة هي التسمية التي تطلق على عملية المطاردة و الاصطياد و هي كذلك صارت في مخيالنا أسماء من استدعوا لتمثيل فريق ما في كرة القدم أو احدى الألعاب الجماعية،أمّا عن التشكيلة الحكومية فلم تكن إلى زمن قريب من صلب اهتماماتنا اذ كانت من مجالات من يحكموننا قضاء و قدرا و بالحديد و النّار.

و من المضحكات المبكيات أنّه بعد أن تنفّسنا نسيم الحرّية و امتلكنا بعض القرار يحنّ بعض الديناصورات الى نفس المسار.

و الغريب أنّه في زمن الأحذية الجميلة اللمّاعة وانقراض"الشلايك" ذات الوظيفة المعلومة تبرز أخرى تنتعلها الرؤوس لتقوم "بتشليك" أيّ فعل و أيّ شيء بل أنّها و بنظرتها الدونية للآخرين تسعى لإعادة تشكيل الشخصية القاعدية للتونسي القاصر و العاجز على أن يفكّر و يتّخذ قرارا لتتولّى التفكير نيابة عنه.

تقول الأسطورة في سرديتها المتخيّلة و صورتها المتعالية أنّ التونسي أو التونسية باستطاعتهما "تشكيل" أيّ شيء حتّى و لو كان قردا أو قردة و كثيرة هي نكتنا المتداولة الّتي تسخر من أشباهنا و تنتصر على اليابانيين و حتّى الأمريكان! فكيف لا يقدرون على تشكيل حكومة؟ الهذه الدرجة هي قبيحة رقطاء حدباء ذات لسان سليط و فم أبخر ،تنفّر من يقتربها و لا شيء فيها يعجب؟

لا يغرنّكم ذاك الصّياح و "الهياط" و الهرج و المرج و الضّوضاء و كلّ ذاك الغنج و التمنّع، فالممانعة دوما ما تفرز الهرمونات لتؤدّي الى المماتعة بعد لحظات معاتبة.

ستتشكّل الحكومة لأنّ التّونسي تمرّس بفنون التّشكيل و الفنّ التشكيلي بصفة عامة. و تبقى تونس الّتي لا تشبه أخواتها في محيط التصحّر و التحنّط قادرة على أن تعبر بتجربتها الفريدة إلى برّ الأمان لتكون دوما هي الاستثناء.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات