نهاية السياسة الضاحكة.. بداية السياسة الجادّة

Photo

بصوت تياترالي واضح وبملامح جادة تذكّرنا بأبطال المسرح الكلاسيكي المدافعين عن أخلاق الواجب وفضيلة الأمانة، يبدأ الرئيس قيس سعيّد ترسيخ السياسة الجادّة، سياسة الواجب والأمانة، حيث مجتمع القانون هو البديل عن مجتمع التمايز والفوضى والتهرّب، وحيث الأمانات بديلا عن "الخيانات" الطويلة وحيث الانتصار للقضايا الكبرى بديلا عن المناورات.

السياسة الجادة التي تعتبر الحكم أمانة للقطع مع السياسة الضاحكة التي حجبت زمنا الارتباك السياسي والتلاعب المناور والشروط المفروضة والتوافقات المهينة بالإضحاك والنكتة والتفكّه، وكان الضحك على الذّقون بتمرير قانون المصالحة الذي لم يفض إلّا إلى مزيد التطبيع مع الفساد، وغرق المؤسّسات وقطاعات الصحّة والنقل والتعليم في الأزمات وتمكّن الادارة العميقة. وواجه الناس الضحك بضحك. ويضحك من يضحك الأخير.

أخلاق الواجب الكانطية التي تمثل احدى مرجعيات خطاب الرئيس اليوم سترسّخ السياسة الجادة، وهو ما سيحدث ارتباكا لدى شرائح عديدة تحمل الأخلاق النفعية وشرائح أخرى أتعبها الواقع ولم تعد قادرة على التضحية. التضحية التي تمثّل إحدى أخلاق الواجب أيضا.

وفي صفحات كثيرة على مواقع التواصل، تهديد ووعيد، بعد الالتباس الحاصل في الفهم، ونتيجة حساسية شديدة لكلمة: تبرّع، ورغم أنّ الرئيس اكتفى بالتنويه بمن عبّروا عن رغبتهم في ذلك، يؤكّد هشاشة حالة الوعي، وأنّ الثورة الثقافية التي أشار إليها لم تحدث يعد، ولا يمكن لشعب متعب أن يحدثها. إنّها الثورة القادمة إن اجترأنا على تغييرات عميقة.

الأمر يقتضي جراحات لا يتحمّل ألمها الشعب وحده. والتضحية يبادر بها أوّلا أصحاب الامتيازات من أهل السياسة ليقدّموا المثال. تخفيضات ضرورية في الأجور وفي الأساطيل وتبرّعات نموذجية يقدّمونها. وإصلاحات عميقة كالإصلاح الجبائي ومراجعة القانون الذي أعفى دون مقابل الآلاف من رجال الأعمال من تسديد ديونهم إلى البنوك، هو ما سيحقّق للناس بعض الطمأنينة.

تامّل الوجوه الحاضرة في البرلمان يؤكّد أنّ الزلزال فعل فعله فيها. لقد كفّت عن الضحك. بينها يقف قيس سعيّد كأحد أبطال شكسبير ليذكّر بجديّة غير مسبوقة، ووسط وجوه كثيرة عابسة، بالشّرف والأمانة.
خطاب كان لا بدّ من أن يصغوا إليه، ليدرك البعض فداحة ما ارتكبوه في حقّنا.

هل ترى أدركوا؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات