عند مفرق الثنايا

Photo

تمرّ تونس الخضراء بمرحلة عسيرة مصيريّة في تاريخها المعاصر المليء بالأحداث والمتغيّرات فلا ثبات ولا سكون شأن شعبها المزاجي المفعم بالحيويّة المحبّ للحياة فبعد ثورة لم تكتمل تصدّر المشهد السياسي سياسيين حكموا البلاد وتداولوا على تسيير دواليب الدولة لم يحققوا آمال الشعب وفرحة الحياة فلقد خاب مسعاهم وفشلوا في إدارة الشأن العام لتضارب مصالحهم وخلافهم وإختلافهم وتجذّر الحزبيّة في أذهانهم والطمع في فؤادهم فلا نكران للذّات ولا صدق في القول ولا إخلاص في العمل فلم يصارحوا الشعب ولم يبذلوا الجهد المطلوب لإسعاده وتخفيف أعباء وأثقال الحياة عن كاهله فلقد عمّ البؤس وزاد التذمّر.

إذن آن اللأوان لتغيير المشهد السياسي برمّته وخوض تجربة جديدة تقطع مع الماضي وتعتبر بأخطائه وتبني الوطن على أسس صلبة ورؤية جديدة لملامح مستقبل آت شعاره الشعب يريد حركته وجدان وضمير وهمّة الشعب وحارسه ذكاء وعزيمة أحراره وحرائره الطلائع الثوريّة للوطن.

تغيير المشهد السياسي يقتضي توفّق الطبقة السياسية الجديدة للقفز إلى دفة الحكم عبر صناديق الإقتراع والتصويت الحر للأجدى والأنفع للوطن على قاعدة الكفاءة لا الولاء وحب الوطن وخدمته لا الحزبيّة والإنتماء والتمسّك بالإيديولوجيّة فلقد ولّى زمن اللافظين بائعي الأوهام وحلّ زمن العاملين المفعمين بحبّ الوطن والشّعب وإن خاب المسعى لا قدّر الله فالإنتكاسة والسقوط في جبّ الفشل والرجوع إلى مربّع الخلاف والإختلاف والتنافر والتنابز بالألقاب وتمزيق أوصال وعرى الوطن .

إنّ تغليب المصالح الضيّقة الحزبيّة والأهداف الشخصيّة وإطلاق الشعارات الفضفاضة وتلهيّة الشعب وتعويمه بقضايا ثانويّة لديمومة حكمه وقيادته من المراهقة السياسية وعدم فقه بسيرورة التاريخ وأحكامه فيضيع مستقبل الأجيال القادمة مع ضياع الحاضر بعدم رفع التحديّات وتجاوز العقبات وإن الإستناد إلى القيّم والمبادئ والمثل والإستعانة بالتجارب الناجحة لبناء الأوطان وإنقاذها من مطبّاتها وصعوباتها خير ضامن للنجاح وتحقيق النقلة النوعية لبناء الوطن وإمكانية إزدهاره ونموّه بسواعد أبنائه وإمكانياته الذاتيّة لن يزيد إنتخاب من خبر الشعب معدنهم وفشلهم في إدارة الشأن العام إلاّ بؤسا وثبات للحال وأحوال الطبقة الكادحة والمسحوقة معا .

فمن جلسوا نوّابا عن الشعب قد تمسّك جلّهم بحصانتهم البرلمانيّة غير متخلّين عن إمتيازاتهم الباحثين عنها بسياحتهم الحزبيّة فلقد أداروا ظهروهم عن الشعب الكريم واتجهوا متوثبين لتحقيق مآربهم الشخصيّة وما أستفاد من طلعاتهم ورقصاتهم وعليه معاقبتهم بعدم التصويت لهم وإزاحتهم إراديّا من المشهد السياسي وعليه تحكيم ضميره وحسن الإختيار عقلا لا عاطفة من القائمات المتقدمة للإنتخابات التشريعية من يثق في نزاهتهم ووطنيتهم الصادقة الخالصة وعلوّ همّتهم إذ لا مناص ولا بديل عن تغيير المشهد ولا خوف من خوض التجربة و عيش حقبة جديدة بمواصفات جديدة وأن يصمّ آذانه ولا يسمع من الإعلام المأجور الراغب والمتمسّك بحظوظه وإمتيازاته المرتبطة بدوائر لا علاقة لها بمصلحة الشعب فهمّها ما أهمّها وهمّها مصلحتها وإمتيازاتها ورفاهيتها .

أخيرا من سيسعفهم الحظّ لدخول مجلس النوّاب أن ينوبوا صدقا ممثّليهم ويسعوا كادحين لتحقيق آمالهم والدفاع عن حقوقهم في وطن تكافؤ الفرص والمساواة لأجل تعليم عمومي ديمقراطي وجامعة شعبيّة وثقافة وطنيّة والصحة للجميع يسعف المكلوم والمجروج والمصاب ويداوى المريض والمعتلّ وتيسّر خدمات الشعب فلا ترهقه البيروقراطية الإدارية ولا تسحقه الرشاوي والمحسوبيّة والمحاباة وليعلم أنّ إنتخابه ليس حبّا في بروزه وظهوره وإعتلائه سدّة الحكم بل كل الأمل أن يخدم الشعب مخلصا وفيّا لمبادئه وقيّمه وليس إنتخابه إمضاء المنتخبين له على صكّ على بياض ليفعل ما يشاء بل ما يريد الشعب وليسعى لتحقيق إنتظاراته وتوقّعاته فمحاسبته والحكم عليه واجب واكيد مثل غيره السابقين له "والتاريخ في باطنه نظر وتحقيق ".

إنتخبوا يا أحرار وحرائر الوطن بكثافة فورقة إقتراعكم صفحة من صفحات تاريخ وطنكم الغالي سفينتكم جميعا للعبور إلى بر الأمان وضمان مستقبل أبنائكم وأحفادكم فلا تسلمّوها لمن لا يستحق ليكتب بهواه ومزاجه وتقلباته ومراهقته السياسيّة ما لا يليق بمقام الوطن.

فهل يعبر بكم الوطن من ألم الشقاء والبؤس إلى أمل البناء والرخاء ؟ يا شعبي عند مفرق الثنايا لا تتخلّى عن أداء واجبك وتنسحب بل تقدّم ثابتا شامخا متسلّحا بشجاعتك وعلوّ همّتك و أنظر إلى المستقبل غير عابئا بأعدائك ثمّ غنّي أنشودة الوطن بعزيمة وأمل.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات