مأْسَسة الفساد والتسطيح الثقافي والاستهتار بالقيم في أعلى هرم الدولة

Photo

لمْ يُبيّن المتّجهون نحو انتخاب قيس سعيد بالدقة الكافية أسباب الوقوف وراءه سوى غايتهم في ازاحة السياسيين الذين يعتبرونهم قد فشلوا في تحقيق أهداف الثورة بسبب انحرافهم عن متطلباتها ومساراتها المرتقبة، دون الالتفاف حول برنامج متكامل، إن لم تكن جملةً من المبادئ والمبادرات التشريعية قد لا تجد في الواقع قبولا لدى أغلبية الأطراف الفاعلة، خاصّة تلك المتعلقة بإلغاء المعيار السياسي في الانتخابات البرلمانية.

– نفس الشيء بالنسبة الى الذين يساندون نبيل القروي. فإنهم لم يذكروا مصلحتهم في ذلك، واقتصر عددٌ منهم على الدفاع عن مكاسب "الديموقراطيين" دون الإشارة الى "مواصفات" و"معايير" الديموقراطيين الخاصة بهم من الشعب التونسي، إذْ أغلبهم لم يصونوا متطلباتها في الانتقال الديموقراطي بدعم التنمية والدفع نحو انخراط القدرات الوطنية في ذلك وتهميش الجزء الاعظم من المواطنين والجهات، وبُنيت حطاباتُهم حول الاستثمار في مشاكل الهوية غير المُبرَّرة.

وللتذكير، فانّ هذا التصنيف قد ابتدعه السياسيون ابان الثورة للتكتّل انتخابيا. اضافةً الى انّ هذه المجموعة تتضمّن جزءً لم يكن لا طرفا في فرضِها بعد 14 جانفي، ولم يستثمر فيها بقدر ما استفاد منها.

– تُصبح اللُّعبة التنافسية بين الشّقَّيْن مُهمةً عندما نلتفت الى أنّ كلٍّ منهما يريد أن يضع إطار المعركة في ميدان مُختلف عن الآخر مثلما كان الشأنُ خلال انتخابات 2011 و 2014. أي أنّ الذين يدافعون على قيس سعيّد يقولون إنّ التنافس هو بين "ثوريين" و "متحيلين"، في حين أنّ الآخرين يقولون إنّ المعركة انّما هي بين "الديموقراطيين" و"الرجعيين".

ولهذا السبب لم يهتمّ الى حد الآن أيٌّ منهما بتسويق مُرشّحه والدّفاع عنه على أساس برنامجه، بل اهتمّ بانتقاد الخصم للإطاحة به في الانتخابات، الى أن تتطوّر وتصبح شرعنةً لاستعمال وسائل وحجج غير منطقية، او افتراءات وشائعات لا تليق في بعضها بوضع المسوقين اليها. ولا يراقب ذلك إلا القيود الأخلاقية التي عادةً ما تُكسر عندما تصبح المسالة صراعا من أجل الوجود على حساب الخصم.

– وقد يتحمّلُ جزءٌ من شق نبيل القروي المورّط في شبهات فساد اذا ثبتت، وهي من أكثر المعوقات وقعا على المسار الانتقالي، المسؤولية في إرساء سابقة خطرة وهي مأْسَسة الفساد والتسطيح الثقافي والاستهتار بالقيم في أعلى هرم الدولة. فتعمُّ القيم الفاسدة وتضعف الدولة وتتراجع عقودا الى الوراء.

– وقد يتحمّل كذلك المسؤوليةَ مؤيّدو قيس سعيّد (إذا تمّ انتخابُه) لو فشلوا في إعطاء مضامين واقعية لما ادّعوْهُ من اكتساب لبدائل في الملفات التشريعية والتنموية والأمنية (دون تفصيلها)، خاصّةً لو لم يتوفّق في تعبئة كل القدرات الوطنية وتجميعها حول مشروع وطني يحظى بقبول أهم الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، وإلا تكون مُخاطرةً بمسار الانتقال الديموقراطي برمّته، او جعله في أفصل الحالات في "منزلة بين المنزلتين" مراكمة للتجاذبات وللتأخر في اعتماد الإصلاحات اللاّزمة… يتحمّل تبعاتِها كلُّ سياسي ادّعى القدرة على ريادة المرحلة الانتقالية ولم يفلح، وكل مثقّف ادعى الحكمة ولم ينخرط في فلسفة التغيير…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات