المرزوقي: خطاب يحمل بذور الجهوية

Photo

بداية وقبل الرد والتعليق أقول هنا أنه جمعتني سابقا علاقة صداقة واحترام بالرئيس المرزوقي، بنيت على شراكة النضال المشترك منذ سنوات المنفى للتصدي للاستبداد.. نتقاسم معا هموم الكتابة، ونشترك في التطلع إلى تخصيب الوعي والمساهمة في إثراء فضاءات الإبداع والمبدعين، من أجل بلد يستحقّ الإقلاع نحو الأفضل..

غير أني وبعد متابعتي لخطابك سيدي الرئيس في "مدينة" الروحية الذي كان "يترامى" بين الاهانة والاحتقار للشمال، وجدت نفسي ملزما بالرد على خطابك هذا الذي للأسف أراه يحمل بذور الجهوية والتصابي القبلي، الذي لا ينتج سوى التشطير والفرقة والإحساس بالدونية.

وردّنا هذا ليس انتصارا لجهة دون غيرها، بل تصحيحا لمفاهيم خاطئة وترميما لنهج سياسي يستدعي الانتباه دون أن نكون دعاة للفرقة والتمييز، فنحن سيدي الرئيس السابق لا نفرّق بين الشمال والجنوب والوسط، وبين الأرياف والمدن، لأننا ببساطة سيدي الرئيس السابق لا نجزأ الوطن، فكما نحترم أهل الجنوب نحترم أهل الشمال وكل سكان البلد لأنهم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن العزيز..

عفوا سيدي الرئيس السابق والمترشح للرئاسة القادم، وسواء كان فوزك للرئاسة حقيقة أم أوهام، فقد كان قولك في مدينة "الروحية" الذي يقترب من الشتم والسباب ضمن العبارة بلهجتنا العامية " نخدم عندكم أنا"، فدعني أقول لك بشيء من الهدوء دون انفعال:

أولا

لا تنسى سيدي الرئيس السابق، واسمحلي أن أذكرك أنك تتقاضى مرتبا شهريا يساوي 30 مليون بالدينار التونسي، إلى جانب تذاكر السفر المجانية لك ولعائلتك، ومجانية الماء والكهرباء والهاتف والحراسة الخاصّة، ومدير ديوان يشرف على مواعيدك، ومبنى خاص في أرقى المناطق لإدارة شؤونك السياسية، ممّا يجعل فاتورة حملك تصل إلى 62مليون دينار تونسي، تسدّدها المجموعة الوطنية من عرقها وقوتها وتعبها وصبرها وشقائها اليومي في ضل الغلاء الفاحش، أفلا تتطلب منك كل هذه الامتيازات وبحبوحة العيش قليلا من العرفان والوفاء للمواطن المنهوب برا وجوّا، أقلها أن تكون خادما للشعب ولو بصورة رمزية حتى وإن كان ذلك عن طريق الأقوال، بعد أن يئس الشعب من تنزيل وتنفيذ معسول الخطب والكلام..

ثانيا

سيدي الرئيس السابق أنت عشت في أعرق الديمقراطيات الغربية، وتعرف كما كل من عاش هنا يعرف أن نائب الشعب أو رئيس الدولة هنا، سواء كان مرشحا أو فائزا يطرح نفسه قولا وفعلا أنه خادما للشعب بكل تواضع دون تعالي. بل يعتزّ بهذه المهمة تنزيلا وتنفيذا. ويذكّر بها الجميع في كل مناسبة.

ثالثا

سيدي الرئيس السابق والذي يجتهد ويتمنى أن يكون رئيسا قادما، اسمحلي مرّة أخرى أن أذكّرك أن الشمال الغربي الذي وضّعت من قدره تلميحا وتصريحا، هذا الشمال سيدي الرئيس السابق ساهم في معركة التحرير ضدّ الاستعمار، حيث واجه أهله استعمارين استعمارا عسكريا، وآخر احتلالا استيطاني، على حد قول الإعلامي المرحوم "الهاشمي الطرودي" في أحد الأيام الخوالي، حين كنا نتناقش في مقر مجلة حقائق حول هذا الموضوع. مما جعل مقاومة الاحتلال عند أهل الشمال متعددة الرؤوس، والاضطهاد والتنكيل مضاعفا، والتصدي للاستعمار ملاحم خصبة كخصوبة الأراضي هناك..

رابعا

لا تنسى سيدي الرئيس السابق أن الشمال كان حضنا للثورة الجزائرية، والكثير من أبناء الشمال تطوعوا في حرب التحرير الجزائرية، وسندا خلفيا وحصنا لها، واسمحلي سيدي الرئيس السابق أن أسوق لك هذه المعلومة، التي ربما لم تعترض طريقك. يوجد في عمادة "بوجابر" التابعة لمعتمدية "قلعة سنان" التي تعود بالنظر لمحافظة "الكاف" وتحديدا "جبل بوجابر"، هناك مستشفى محفورا في الصخور الصمّاء من الجبل ولا تزال آثار هذا المستشفى باقية إلى اليوم، شاهدة على مساهمة أهالي الشمال في مقاومة الاستعمار، حفره الأهالي بأيديهم وبمعداتهم البسيطة في باطن الجبل من أجل استقبال ومعالجة إخوتنا الجزائريين الثوار جرحى المعارك ضد الاستعمار. وطبعا دون نسيان العدوان والقصف بالطائرات على "ساقية سيدي يوسف"، المدينة الحدودية التي هي عنوانا آخر لناس الشمال وكفاحهم المشترك ضد الاحتلال.

خامسا

لعلمك سيدي الرئيس السابق، والذي يتمنى ويطمح أن يكون رئيسا قادم، أن الشمال الغربي في مطحنة استبداد "بن علي"، دفع فاتورة باهظة الثمن، أبطالها مساجين من مختلف الأعمار، وحتى من تمكنوا من الفرار من جحيم الاستبداد لم يتعدوا أصابع اليد، مما يدلل على حجم العطاء لهذه المناطق في المقاومة المدنية للطغيان والتصدي للاستبداد، والتضحيات الجسيمة في سبيل الحرية والانخراط في معركة الكرامة والمواطنة ضد التعسف والانغلاق وضد سطوة نظام بن علي ولعلك لا تدري سيدي الرئيس السابق، أن في مدينة "السرس" وحدها، هذه المدينة الصغيرة سجن منها 13 امرأة بأحكام قاسية جدا، واكتفي بهذا المثال دون ذكر مريات النساء والرجال في باقي مدن وجهات الشمال…

سادسا

سيدي الرئيس السابق، دعني أفيدك أن الأستاذ "منصف بوسحاقي" الذي تصدّى لطرحك الجهوي وخطابك الموضّع لأهل الشمال، من خلال ردّه، هو سجين سياسي سابق، ورغم سنوات السجن والمراقبة والحصار، تمكن من الحصول على ديبلوم مهندس صوت وعديد الشهائد المحترمة، ويدرّس منذ أعوام الفرنسيين بباريس كأستاذ في مادة الرياضيات، وهو من الشمال الذي لا يفرق بين كل تراب البلاد.

كما لا تنسى سيدي الرئيس السابق أنه كان من بين طاقمك أيام كنت في قصر قرطاج، كفاءات عالية المقام من الشمال تركت أثرها..وكانت لك عونا في العديد من الاختصاصات، كما كان حزبك معززا بطاقات خلاقة من أبناء الشمال الشمال..فلا تبخسوا سيدي الرئيس الناس منازلها.. فأنت محتاج لأي صوت خصوصا ومهمة فوزك ليست بالسهولة، ولا بالميسّرة كما ينفخ في الرماد بعض المحيطين وممن لا يدركون سهوا أو خطأ أن الجنوب والوسط والشمال جزء لا يتجزأ من البلاد.

ملاحظات

1- راجع خطاب المرزوقي في مدينة "الروحية" الوقعة في الشمال الغربي ضمن هذا الرابط

https://www.facebook.com/alirada.tn/videos/2326228440981045/

2 - أنظر رد الأستاذ "منصف بوسحاقي" على خطاب منصف المرزوقي بهذا الصدد.

3- لكل المريدين والمجندين والزاحفين على بطونهم، والقابضين للأجر، واللاعقين للفتات، أقول أني لا أرد على الزواحف الذين سيتهافتون بالشتم والسباب بعد قراءة هذا المقال، فليست بيني بين المرزوقي خصومة شخصية، ومعرفتي به منذ الثمانيات أيام جريدة الرأي، وتوطدت أكثر في المنفى، وحضوري الإعلامي والسياسي منذ سنوات لا يعترف بالغباء السياسي، ويرفض العقل القبلي والأقنعة الجهوية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات