الريف، ذلك المكان الرهيب حيث يموت الأطفال وتمشى الدجاجات نيئة

Photo

وحيث تموت النساء على الطريق !!!

قديما صنعت لنا البورجوازية المزيفة عقدة الريف "أنت من الكيييف ؟ (الكاف(زيرو ويت من جندوبة ؟ كا جي بي من باجة ؟، ثم اخترعوا تلك المسرحية الأكثر بذاءة في تاريخ تونس للسخرية من الريفيين "الماريشال"، ببطولة ريفي قادم من الدهماني، بعدها أصبحت السخرية من الريفي في بر تونس واحتقاره رياضة وطنية، عملا فنيا في الكوميديا والدراما والسياسة،

"ها التوكابري ها" البدوي الأحمق، كان ذلك ثمرة جراحات البورجوازية الوطنية التي توارثتها من الغزاة الأتراك والانكشارية والخصيان الذين حكموهم، فيما كنا نحن، في ريفنا الجميل ننعم بالسلم والأمن والشبع والاكتفاء الذاتي، لم نحتج إليهم حتى اكتشفوا بعد رحيل الغزاة إلى أنهم بحاجة إلى صورة "البلجيكي الغبيّ لكي يحس الفرنسيون بالتفوق"، طمسوا كل ما في الريف من قيم إنسانية عريقة،

الكاتب الكولمبي الشهير ماركيز كتب يوما مقالا عنوانه "الريف، ذلك المكان الرهيب حيث تمشى الدجاجات نيئة" لكي يتحدث عن فظاعات تحويل الريف والحياة التقليدية في المجتمعات الحديثة إلى صورة بائسة،

وأنا رأيت من أطفال أهلي من الريف من يعتقد أن الماقرونة نبات طبيعي تزرع مثل الجلبانة، حتى أنه حين رأى دجاجة في بيت أمي في سد وادي ملاق لاحقها "جرمانتي جرمانتي"، واعتذرت أمه بأن ابنها لم ير في حياته الطفولية "البورجوازية" دجاجة حية أبدا، ولا يعرف سوى الطيور في برنامج القنوات الوثائقية حيث تفسر له كل طير على أنه جرمانة، مثل لعبة البلاستيك الصفراء التي يستحم معها،

لقد عملوا بمنهجية خبيثة على تحويل الريف إلى مصدر للخادمات وعمال المصانع والعاهرات والإرهابيين، وذلك بتحقير الإنتاج الفلاحي، دعم اقتصاد السمسرة والمضاربة والتجارة الموازية والعقارات والربح السريع والقروض المسمومة والسياحة على حساب الفلاحة، حتى أن كل ديون الفلاحين تساوي أقل من 1/28 من ديون النزل،

أصبح العيش في المحيط الفلاحي رمزا للفقر والضنى والموت بردا، وصلنا إلى زمن أصبح فيه اقتطاع الحطب الجاف من الغابة جريمة، امتلاك عشرة هكتارات كان مجدا واكتفاء وغنى عن العالم والدولة وأصبح اليوم أقل دخلا من عمال الحضائر، يسكب الفلاحون حليبهم في الأودية، الطماطم والبصل وغيره على قارعة الطرقات خضوعا لمافيات المضاربة والتخزين، هل انتهت تصفية الحساب بين البورجوازية القذرة والريف ؟ لا، لذلك سنأكل من الصين قريبا،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات