الانتخابات ..هل نذهب الى الاستقرار الديمقراطي ؟

Photo

المؤشرات العامة ما لم يعقها " خطر داهم " تبدو موحية بالذهاب قدما الى استحقاقات 2019 في سياقات تشويق محدود تبدو فيه موازين القوى / الضعف غير بعيدة عن توازنات المشهد الراهن في الحكم و المعارضة .

السؤال الرئيسي على مشارف هذه الانتخابات هو : هل تخرج تونس بعدها من اجواء " الانتقال " الديمقراطي الى اجواء الاستقرار الديمقراطي بما هو تمكن " فريق حكم " حزبي او ائتلافي بممارسة برنامجه المرحلي و تبلور قوة معارضة متجانسة تضغط و تراقب كما هو الشأن في الديمقراطيات الناضجة و المستقرة ؟

لا يبدو الجواب حاسما و أكيدا اذ ان توزع القوى بين الأطراف السياسية لا يوحي بتشكل " قوة سياسية " وازنة قادرة على لعب دور " الحكم " المريح و اخرى مؤهلة لدور المعارضة الفاعلة لضمان " تداول " فعال يقدم للناس انجازا يجذبهم الى " جدوى الديمقراطية " التي لا تبدو مغرية حاليا في تونس الا للنخب المرتاحة الى اجواء الحريات السياسية و القوى الراعية التي لا ترى في العودة الى " الاستبداد " حلا معقولا لنموذج تونسي يراد له ان يكون مقترحا لعالم عربي انتهى فيه " النظام القديم " الى شلل يقتضي بتغييره منعا لفوضى او تحولات راديكالية لا تطمئن لها الضفة الشمالية للمتوسط و لكن خيار " الدمقرطة " لا يبدو لحد الان ضمانة كافية كما حددها " صانعو النموذج " نظرا لما يعتري هذه الدمقرطة من تعثرات و تشتت للقوى و اعاقة للانجازات الفعلية اقتصاديا و اجتماعيا التي لا مناص منها لضمان " المشاركة الشعبية " و القبول العام " بالديمقراطية المسقوفة " درءا للحلول الراديكالية الغامضة .

توزع القوى على مشارف الانتخابات القادمة يضفي غموضا على المشهد و لا يفتح على " امل" انتخابات تعقلن وضعا ديمقراطيا مستقرا .

النهضة ممثلة " الاسلام السياسي " المعدل جينيا وفق تخطيط و طلبات رعاة الانتقال التونسي لا تبدو في وضع يؤكد " اندماجها و استقرارها " ذاتيا و موضوعيا .فعلى مستوى حراكها الداخلي تبدو سرعات التحول داخلها متفاوتة و دون ما يقتضيه " القبول الديمقراطي" بها تونسيا و اقليميا و لا يقل القلق بين مكوناتها عن القلق الذي يبديه خصومها التونسيون باختلاف اطيافهم في حين يبدو وضعها في الاقليم و المنطقة و في " المحافل الدولية " المحددة في المشهد التونسي متراوحا بين التشجيع لها و التوجس منها و مزيد الضغط عليها وصولا حتى الى التخطيط لتحجيمها .

و في هذه الأجواء المتداخلة التي تجد نفسها ضمنها ترتبك خطواتها بين أصوات " المراجعات الموجعة " و توجس " المحافظة " و مغامرات الارتهان بل و الامعان في التنازلات " الفكرية و الوطنية " و اشتداد الحيرة بين محاور عالم عربي و مشهد دولي يشتد فيه الفرز بين قوى الهيمنة التي تطلب ضرائب تنازلات مؤلمة و قوى التحرر التي يتطلب الانحياز اليها استعدادا لتضحيات قد لا تتحملها اجسام سياسية هشة في تونس الصغيرة .

" احزاب الدولة العميقة " او المشتقات السياسية للمنظومة المتصدعة تتشتت باطراد بعد التوحد المتعجل في 2012 و 2013 و بعد الانتصار المسموم في 2014 و لا يبدو واضحا توجه " الادارة " و " مراكز النفوذ التقليدية " من مال و أجهزة و ماكينة قديمة باعتبار تشتت استراتيجياتها و مصالحها و مواقفها من الانتقال و الدمقرطة و العلاقات الدولية و حتى الخيارات المجتمعية مما يجعل الطرف " الثاني " في " معادلة النموذج التونسي المخطط له " لا يقل ضعفا و ارتباكا عن " الطرف الاول " اي الاسلام السياسي .

بعيدا عن طرفي " النموذج المتعثر " تبدو قوى المعارضة المسماة اجتماعية ديمقراطية بوسطها و يسارها موزعة بين " وظيفية اكراهية " تذعن اليها ضمنيا عبر انخراط في اجندات صراع الطرفين الاكبرين المتشققين خيارات و استراتيجيات داخل بيوت الحكم نفسه و بين محاولات محتشمة و عاجزة لفرض التفاوض الانتخابي العام بالبرامج في القضايا الاجتماعية و الاقتصادية .

الوضع التنظيمي الهش لهذه " المعارضة / المعارضات " و غياب الكاريزمات القيادية القادرة على صنع " الوجاهة البرامجية الوطنية " بالاضافة الى ضمور القدرة على صناعة الرؤية الشاملة في تحليل القوى و الصراعات و تحديد المعارك محليا و دوليا فضلا عن عقم حقيقي في فهم العمق الشعبي و انتظاراته و سبل تعبئته ..كل هذه العوامل تجعل فعل هذه " المعارضة / المعارضات " عاجزا عن مغادرة مربع " مجموعات الضغط الوظيفي " المقيدة بوعي او بدونه في اجندة صراع " قوى الحكم و تياراته " ليصبح " نشاطها الانتخابي " مجرد تأثيث لمشهد يصنعه تحيل قوى الحكم المتصارعة التي تتقارع بالملفات " الامنية " او " الثقافية " استعدادا لاستحقاق انتخابي يريدونه مرة اخرى على ايقاع استقطاب ثنائي يخدم الطرفين عبر التصويت " المفيد " ..

لكل ما سبق لا نرى على العموم ان تخرج تونس بعد انتخابات 2019 من مربع الانتقال الهش الذي لا يذهب الى الاستقرار و لكنه لا يصل الى الانهيار ...ادارة دائمة للازمة تتماشى مع وضع دولي مازال بدوره لم يقرر حسم معالم النظام العالمي الجديد للقرن الواحد و العشرين في وضع تعادل القوى و توازن قدراتها بعيدا عن القطب الواحد و لكن قبل ترتيب " ميثاق و قواعد اشتباك تعدد الاقطاب " ....

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات