هل غادر الشّعراء من متردّم؟

Photo

نفس الأسئلة الثّقافيّة تحاصرني في كلّ مناسبة ( عيد دينيّ أو وطنيّ ) وأنا أصغي إلى نفس الأغاني المكرورة ونفس التّعاليق المكرورة وأشاهد نفس الأشرطة السّينيمائيّة والبرامج المكرورة منذ عقود إلى درجة أنّنا صرنا نتوقّع برمجتها مسبقا. فعيد الإضحى يقترن بشريط الرّسالة للعظيم العقّاد. والشّريط على روعته لا يعني أنّه نهاية السّينما حول تاريخ الإسلام. وعيد الفطر يقترن بإحدى مسرحيّات عادل إمام المستهلكة إلى حدّ الإفراط وإلى حدّ أنّ البعض صار يحفظ مقاطعها عن ظهر قلب: شاهد ما شفش حاجة أو مدرسة المشاغبين. وعيد الجلاء الذّي سيأتي قريبا يقترن بأغنية عليّة: بني وطني .. مع كلّ هذا المجترّ نفس السّرديّة المكرورة صارت تتردّد في مناسبات أخرى أهمّها عيد 14 جانفي حيث نجترّ نفس الخطاب حول : الثّورة المجيدة وثورة الشّباب في لغة مخاتلة تسلب منك ومنها الرّوح وتتركك ملقى بلا معنى بحثا عن ثورة توصف بما كان يوصف به 7 نوفمبر ( مجيدة ) ثورة سرقت من أيدي الشّباب وتاهت بين أقدام الشّيوخ.

ألم يترك لنا " الأوّلون" شيئا؟ هل أتوا على كلّ المعاني وهل سبقونا إلى كلّ الصّياغات؟ " هل غادر الشّعراء من متردّم؟ "

ما الذّي يجعلنا نعيش هذا الحجم من الإخفاق الثّقافي بعد 5 سنوات من حدث رجّ الوطن لكنّه لم يرجّ الثّقافة؟

هل السّبب ثقافة الإخفاق التي نتوارثها في قاع الذّات حيث تصبح المغامرة الثّقافيّة التي تكسر الأنماط والأنساق مصدر متاعب لا نهاية لها تدفع المثقّف إلى الصّمت وإلى الإقامة في زجاجة بعيدا عن حركة التّاريخ مجترّا إخفاقاته الأليمة؟

هل هي ديمومة أجهزة الفساد واللّوبيات التّي تمسك بشبكات الإنتاج وتعتمد نفس معايير الولاء والمحسوبيّة وتدفع إلى التخلّي عن مغامرة الإبداع مقابل إعادة إنتاج الجاهز والاكتفاء بالمخزون وتكرار المملّ؟

ما الذّي يجعل حدثا أو أحداثا كبيرة هزّت الوطن لا توازيها أعمال كبرى في المسرح والسّينما والأغنية والكتابة؟

بين الإخفاق الثّقافي وثقافة الإخفاق يعيش المواطن في أعياده وغير أعياده أنيميا ثقافيّة حادّة تدفعه إلى اللّجوء إلى برامج التّهريج والقمار بحثا عن تسلية موهومة وهي برامج لا تنتج ثقافة بديلة بل تساهم في ترسيخ الزّبونيّة وثقافة الرّبح السّهل السّريع.

والشّعوب التي تعيش أنيميا ثقافيّة لا يمكن أن تتقدّم. فالأنيميا تمنع الدّماغ من التنفس هواء نقيّا والتّفكير تفكيرا سليما.

إعادة عرض القديم الثّقافي ل " الجمهوريّة الأولى " في " الجمهوريّة الثانية " التي لم تستطع بعد أن تنتج ثقافتها الجديدة هو أكبر إخفاق نعيشه ولكنّنا لا نعيه لأنّنا نعتبر الثّقافة درجة ثانية لوجودنا ومجرّد تسلية وليست القوّة الولّادة الخلّاقة للذّات المرحة في وجودها، ذات تتسلّح بوعيها النّقديّ وتقطع مع احتقار الذّات والوثوقيّة وتتظلّل بشجرة القيم الكبرى وما أحوجنا إليها لترمّم الذّات المعطّبة.

ولولا بعض البرامج الفكريّة والثّقافيّة الرّاقية والأعمال الرّوائيّة القيّمة التي ظهرت بعد 14 جانفي لقلنا: هذه صحراء الرّبع الخالي..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات