الجوادي عند حلاق القرية

Photo

لم يكن لنا في قريتنا حلاق بالمعنى المتعارف اليوم..

كانت الوالدة ترسلني أنا وإخوتي الذكور إلى جارنا وقريبنا يوسف رحمه الله صحبة "حارة عظم"، فيجلسنا على "بنك خشبي" يسع أربعة أطفال أمام منزله الطيني المتهاوي، ويأخذ "الجلم" المعتمد عادة في جزّ الصوف، يقوم بشحذه على حجر صوان متآكل، ثم يبدأ في عملية "التقرقيط": يبدأ بالرأس الأول فيخط فيه مسربا كما تفعل آلة الحصاد بحقل القمح، ثم يمر إلى الرأس الثاني فالثالث فالرابع ليخط فيها جميعا نفس المسرب، ثم يعيد الكرة من الرابع إلى الأول ثم يخط مسربا جديدا وهكذا حتى يكمل حلاقة جميع الرؤوس بطريقة بشعة غير متناسقة، فلم يكن رحمه الله حريصا على تجويد عمله أو إتقانه بقدر حرصه على الإنتهاء منه بأسرع وقت ممكن! لكنه كان حريصا أن يترك في أول الرأس "قُصّة" وهي عبارة عن منطقة غير محلوقة للزينة، نقوم فيما بعد بدهنها بزيت الزيتون لتلمع تحت ضوء الشمس، وكنت أنفر كل النفور من هذه "القُصّة" التي تجعلني أبدو مثل جديٍ هرم!

- يمّة قولي لخالي يوسف ما يخليش ليا قصة، أترجّاها مستعطفا..

-علاه؟ إنت زايد من الذرّي، تجيبني بدون اكتراث!

ولن أنسى أبدا، يوم عدت للمبيت مساء الأحد بعد أن حلق لي حلاقنا العجيب رأسي كما اعتاد، محافظا على "القصة" البديعة التي أغرقتها ب"زيت الحاكم"، فأحدث ذلك مهرجانا من الضحك والسخرية لدى القيّمين والتلاميذ والتلميذات، جعلني أرفض الدخول للحصّة الأولى من الغد، مما اضطر أحد القيّمين ليصطحبني إلى حلاق حقيقي لأول مرة في حياتي، ولكن سرعان ما تبينتُ أنني وقعت في مطبّ جديد يصعب الخروج منه!

كيف سأجابه الوالدة وبقية أفراد العائلة وأهالي قريتي بدون "قُصّة" عندما أعود عليهم نهاية الأسبوع؟

(يتبع)

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات