بعيدا عن السنة والشيعة

Photo

من الخطأ النظر إلى الصراع المحتدم بين إيران والسعودية على أنه بين السنة والشيعة. هذه الزاوية تستغلها هذه الدولة وتلك فقط من أجل دعم نفوذها القومي في منطقة الشرق الأوسط. والدين أو المذهب هو مجرد لبوس لمطامح قومية تصل إلى ملامسة الشوفينية. فلا يغرنا الخطاب الديني من هذا الجانب وذاك. كل ما في الأمر أن هناك اختلالا للتوازن الإقليمي في المنطقة منذ حدث الاحتلال الأمريكي للعراق. وما نشهده اليوم هو مجرد بحث عن التوازن المفقود.

لدينا من جهة إيران التي تريد أن تتمدد على حساب جيرانها وتستعمل المذهب الشيعي لضمان ولاء الأقوام الأخرى لها، ولولاه لما أمكن لها أن تهيمن على العراق. ولدينا من جهة أخرى السعودية التي تريد أن تكتسب نفوذا لها في المنطقة يضمنه لها نشر المذهب الوهابي. وربما شعرت بالحاجة الأكيدة إلى ذلك بعد أن فقدت في العراق حصنا لها وكانت هي نفسها قد حرضت عليه الأمريكان..

أما المقارنة بين ما عليه هذه الدولة من قوة ومن تأثير، وما عليه تلك الدولة من تخلف وتأخر، ففيه الكثير من المبالغات لأن المقياس الحقيقي لقوة دولة ما، ليس القوة العسكرية ولا الدعاية المذهبية، وإنما القوة اليوم ترتكز على مقياس الاقتصاد والعلم والرقي الاجتماعي والتنمية البشرية. وهنا لا تمييز كثيرا بين البلدين، مع الأسف لهما ولنا أيضا. فالاقتصاد السعودي كما الاقتصاد الإيراني يرتكزان على تصدير النفط. كذلك مختلف المؤشرات العالمية لا تعطي فروقا واضحة بينهما، ترتيب الجامعات في العالم مثلا. بمعنى أنهما بلدان ينتميان إلى ما كان يسمى العالم الثالث. أما عن المؤشر السياسي ففي كليهما تنعدم الحرية والرأي الآخر ويحضر القمع والقهر والسجون.

البعض يقارن بين البلدين على أساس أن إيران تدعم قوى المقاومة والممانعة، بينما السعودية وعرب الخليج عموما عملاء أمريكا والغرب وحتى إسرائيل. بقطع النظر عن هذه العناوين التي يمكن مناقشتها، فهي لا يمكن أن تؤدي إلى شرعنة الطموحات الإمبراطورية لإيران وتبرير أو حتى دعوتها لاحتلالها للبلدان العربية المجاورة.

ولها -ونرجو لها- أن تحتل مكانة متقدمة بين الدول علميا واقتصاديا وثقافيا وحتى عسكريا. ولكن لا يمكن قبول أن تحتل أقواما أخرى حتى وإن كانوا متخلفين، وإلا لأجزنا القول بشرعية الاستعمار الذي برره الاستعماريون في وقته بأنه جاء ليدخل الشعوب المتخلفة إلى دائرة الحضارة. وإيران إن تحولت إلى قوة احتلال للشعوب المجاورة -تحت أي يافطة كانت- فإن ذلك لا يؤدي إلى الاستقرار أو التقدم فهذا لم يحققه الاستعمار الغربي الأكثر تقدما من إيران، وإنما ينتهي الاحتلال إلى الثورة عليه والتحرر من نيره البغيض.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات