ثورة أو ليست ثورة؟

Photo

محاولة التّشكيك في الثّورة أصبحت الآن جليّة وواضحة ومعلنة يتولّاها بعض المدوّنين المأجورين وبعض الأصوات هنا وهناك وبعض " العقلانيين " الذّين " حفظوا شيئا وغابت عنهم أشياء " وبعض المثقّفين القادرين على صياغة خطاب وفق الطّلب وإعلاميين لديهم قدرة عجيبة على التّزييف ومحامين يقبضون مالا كثيرا وفنّانين متملّقين.

هي سرديّة تكتب بإتقان تتحدّث عن انقلاب وعن رئيس سابق هو ضحيّة خدعة . سرديّة تستأصل كلّ ما هو متّصل بالثّورة وتستنزف أرواح المتمترسين خلف مبادئهم وإيمانهم بحقّهم في وجود مغاير يقوم على العدل والحريّة وجماليّة الارتواء بثقافة الاختلاف، غير الوجود المنغّص بالحيف والفساد.

هذه السّرديّة التي صاغت لها إحدى " المثقّفات عنوان: ثورة البرويطة من باب التّحقير تجد اليوم رواجا بين من صمتوا زمنا في انتظار الآتي الذّي سار وفق ما يريدون فانطلقت ألسنتهم الآن بالسّخرية والتّشويه والتّزييف بتنزيه الرّئيس السّابق وإخراجه مخرج الضحيّة والحديث عن انقلابات مورست ضدّه.

ثورة أو ليست ثورة؟ بإمكانكم أن تكتبوا مجلّدات. للأكاديميين والخبراء فرصة البحث. ولكن ما يهمّنا أنّ ما حدث أحدث رجّة عميقة في وعي التّونسي جعلته يشعر بذاته المغيّبة زمنا ويستعيد معناه ويرفض العودة إلى مربّع الاستبداد ويتمسّك بحريّة التّعبير يعيشها بكلّ زلّاتها وأخطائها ويتعلّم أثناء ذلك. والأهمّ أنّ ما حدث جعله يرفض كلّ استيلاء على ثرواته ويرفض أن تتمّ سرقته من مجموعات جشعة استنزفته لعقود. الأهمّ أنّ نسبة كبيرة من التّزييف التّاريخي الذّي تعرّض له صار مكشوفا. الأهمّ أنّ هناك إجماع عامّ على رفض حكم اللّصوص القدامى أو الجدد للوطن. على رفض كلّ مظاهر الفساد. إجماع على حاجتنا إلى ثورة ثقافيّة وإلى تعليم متطوّر بعد سقوط أسطورة التّعليم المتطوّر والمرأة المتحرّرة التّي كانت حصنا للنّظام القديم. حاجتنا إلى إصلاح جبائي وقد استنزفت الميزانيّة بالمتهرّبين منذ عقود. إلى إصلاح اقتصاديّ وقد دمّر الاقتصاد بالمهرّبين. إلى عدالة اجتماعيّة وقد صار التّفاوت الجهويّ والطبقيّ بليّة.

فضل ما حدث ، ثورة أو ليس ثورة، أنّه عرّى كلّ شيء. أسقط أصناما. كشف أوهاما. بيّن تهافت مثقّفين ووضاعة سياسيين وإعلاميين وأجلى صحراء القيم وأزمة الأخلاق.

إنّ التّشكيك المقصود وفوضى القيم والمفاهيم التّي يراد لها أن توقع الأذهان في اللّبس وتعطّبها عن الفهم والإدراك هي استرتيجيّة لوأد كلّ فكرة تتوق إلى بناء جديد ما مغاير للقديم. الجديد يخيفهم لأنّه يفقدهم مواقعهم ويزيد خساراتهم فيربكون العقول بالتّشكيك في كلّ شيء والتّخويف من كلّ شيء والتّيئيس من كلّ شيء. هي استراتيجيا مضادّة للحلم والثّورة.

ثورة أو ليست ثورة. بإمكان المحلّلين والمختصّين أن يبحثوا. لكن ما لا يمكن إنكاره أنّ شيئا ما أزهر وسط العتمة. وعي جديد يختمر على مهل في دنّ المعارك الشّرسة، ضوء يبحث عن طريق لوجود أرقى في وطن لم يستطع أن يتقدّم في التّاريخ كدول أخرى استقلّت في نفس زمنه.

ستتعبون كثيرا لإعادة العقل إلى زنزانته التي أفلت منها. لقد تحرّر ولم يعد يصدّق سرديّاتكم الكاذبة.

إن لم تكن ثورة.. فستكون.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات