في المسارات الخاطئة لجنس الحوار في الصحافة "المناضلة" وغير الحرفية

أتابع ظاهرة البودكاست في الصحافة التونسية والتي يمارسها الجميع، أغلبهم بمرجعية غير مهنية، كلهم تحولوا صدفة إلى محاورين أكفاء، يطرحون أسئلة طويلة مثل "يوم بلا خبز" فيها أجوبة ضمنية واضحة، يكاد ينهيها بـ "أعددت لك الجواب، قل لي فقط أنك توافقني" حيث أغلب الأسئلة تكشف عن عدم الارتقاء إلى الفصل بين الرأي والتعليق، إنما يجمعهم غرورهم الشخصي المبني على أوهام الشهرة مع نساء التعري والإغراء إنما أقل بكثير شهرة منهم.

علميا، السؤال غير الواضح الذي يتجاوز ثلاث جمل، هو "سؤال ضائع"، غير مباشر كما يفترض في السؤال، يستطيع الضيف أن يجيبك على سؤال لم تطرحه أصلا، يضيعك ويضيع معه الحوار، فتعيده، أتوتر أنا كمتابع عندي انتظارات ويقلق الضيف لسوء إدارة الموضوع ولفرض مفاهيم وأجوبة جاهزة بين نعم ولا،

أكثر الأشخاص إزعاجا في مهنة الصحافة، هم الذين لا يعدون جيدا وبطريقة منهجية حرفية للحوار بوهم أنه أكثر الأجناس الصحفية سهولة بما يجعلهم في النهاية مجرد "حمار يحمل أسفارا"، يمد زنبيله لضيفه لكي يعبئه بما يريد من الشعوذة اللغوية التي لا يقدر "حامل الميكروفون" على نقدها أو التوقف عندها مهما كان اجتهاد المونتاج لأنه لم يعد برنامجه جيدا، لا يقدر على عبارة "لا مش صحيح، لنتوقف هنا، لأن المعلومات التي عندي تقول غير ذلك"، هو أصلا يفتقد تلك المعلومات،

قديما، كان السيد أندري بوايي مؤسس معهد الصحافة في تونس يتفقد طلبته قبل ذهابهم لإجراء حوار صحفي بإخضاعهم لـ brieffing (اجتماع تحرير ثنائي أو جماعي) بدءا بعدد الأقلام التي يحملونها معهم، فلا شيء زمنها أكثر إثارة للحرج من نفاذ قلم أو تعطبه لمن يكتب أجوبة الضيف بالقلم فما بالك بنفاذ معرفة الصحفي أو بخلفيات أحد مكونات الحوار، المنهجية هي الأسلوب وهي معرفة ما إذا كان الصحفي جاهزا حقا لإجراء الحوار حتى لا يعبث به الضيف ويجعله جسرا لتمرير الأكاذيب العمومية، "فرضا قالك لك كذا، ماذا سيكون سؤالك الموالي؟"، علم كامل، تدرسه، لكن أهم شيء أن تتعلمه ممن هم أكثر منك خبرة بالممارسة اليومية، فما بالك إذا أصبحت رئيس تحرير فجأة، دون أي مرور طبيعي بالمراحل الطبيعية للتعلم والتدريب وممارسة يومية لكل الأجناس الصحفية،

أكثر الأشخاص إزعاجا وتشويشا على مهنة الصحافة هم الذين يعتقدون أنها ليست مهنة وليس فيها اختصاص علمي وأصبحوا '"معلمية" هكذا، بقرار شخصي مع تمويل أجنبي سخي يوازي ثلاثة أضعاف أجر أي صحفي تونسي مترسم، طبيعي أن تبدأ الأوهام من هناك، أشهر عباراتهم "أنا صحفي محايد"، يمنعهم الجهل من اكتشاف شيء أكثر أهمية: الصحافة ليست محايدة، ليس هناك إنسان محايد في هذا العالم، بل بإمكان الصحافة أن تكون موضوعية، اكرهك أو أحبك، أصدقك أو أكذبك، من حقي، لكن من واجبي أن أكون موضوعيا تجاهك، أن أتقبل حججك وأناقشها حتى إن كانت تعجبني، أن أعد جيدا موضوع حواري معك، لكي لا أسمح لك بالكذب في برنامج صحفي ليس للناس المطلعين إمكانية التعليق في البودكاست، بعد أن وثقوا بالصفات المهنية التي أسندتها لنفسك،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات