"حكم استئنافي يؤدي إلى الإفراج عن طالب الطب"

"جاءه سراح" كلمة سحرية في السجون التونسية بعد عامين من الحبس البهيم بتهم الإرهاب حيث كان مقدرا أن يقضي عشرة أعوام، حيث مصائر الناس لا تخضع بالضرورة لمنطق العدالة، وإلا كيف تفسرون قضية رجل كان محكوما بالإعدام من أجل تدوينة فايسبوك ثم "جاءه سراح"، آخر زمن القمع البورقيبي الرهيب عندما التهمت السجون الكثير من الوطنيين دون تهم أحيانا أو "ركّبوها له"، كان "السجين كبران السنترة" يعوي في الساحة: "فلان بن فلان الفلاني، سراح، لم دبشك"، لكن المساجين المطولين يختطفون حاجاته احتفالا بخروجه السحري المفاجئ،

طالب السنة ثالثة طب، التونسي محمد جهاد المجدوب، رياضي وبطل شطرنج، كان محكوما ابتدائيا بالسجن مدة عشرة أعوام والمراقبة الإدارية مدة خمسة أعوام من أجل أحداث كان يمكن تصنيفها في أسوأ الحالات في خانة التشرد، "الطفل شدوه ينام في مقهى" لأنه لا يملك 20 دينارا ثمن غرفة مع آخرين في نزل شعبي في القصرين وكانت لحيته غير حليقة وعنده "قميص" ومعدات ترحل لأنه يمارس التخييم في المناطق الطبيعية. أنا أيضا حلمت بـ"التشرد السياحي" من أجل الحرية واكتشاف الطبيعة والناس والنوم حيث ما اتفق في خيمة في الجبل أو في محطة، لكني أخاف الحاكم والوشاة، فالمواطن الصالح هو الذي يختفي من الفضاء العام قبل السابعة مساء ويشاهد الأخبار الوطنية والمسلسل،

كان يكفي وشاية سخيفة لكي تنطلق ماكينة الرحي الجبارة بتهم تقود إلى الإعدام: "العزم على الانضمام عمدًا، بأيّ عنوان كان، داخل تراب الجمهورية أو خارجها، إلى تنظيم أو وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية"، ثم "العزم المقترن بعمل تحضيري على قتل شخص، وإحداث جروح وضرب، وأنواع أخرى من العنف والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة، وبالموارد الحيوية، والبنية الأساسية، والمرافق العمومية"، يا دين السماء؟ لكنهم رفقوا به، حكموا عليه بالسجن لعشرة أعوام فقط، من خبرتي لثلاثة أعوام في السجون التونسية، أستطيع أن أؤكد لكم أنه كان سيخرج من السجن حطاما، شخصا سلبيا حاقدا في الضفة الأخرى من العالم الطيب لأن كل شيء انتهى بالنسبة له: الدراسة، الشباب، الحب، المهنة، الصحة..، لن يشفى أبدا من تشوهات السجن، سيكون قد خلف لوالديه وإخوته وأحبائه جرحا غائرا في الذاكرة، سيبكونه في الأعياد وكأنه مات،

فجأة، اليوم، توقفت آلة الرحي الجبارة، وقف طالب الطب محمد جهاد المجدوب أمام المحكمة مرة أخرى، طلب محاميه التأخير لكنه رفض التأخير وطلب المحاكمة، يا للموقف الدرامي: المحكمة تحكم: إقرار الإدانة بتلك التهم الخطيرة لكن مع تعديل العقاب إلى عامين سجنا، أي المدة التي قضاها في السجن،

هكذا، انتهى المشكل ولم يعد لنا طالب متميز في السنة ثالثة طب في السجن، لكن القضاء حافظ على هيبة الحكم بالإدانة،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات