عندما نعارض السلطة السياسية ، نحن لا نعارض الدولة.

الدولة هي القاسم المشترك الدائم بيننا و هي الراعية للسلم الأهلية و الساهرة على الصالح العام نظريا.

السلطة وقتية ، تحكم مدة من الزمن ثم تنصرف لتستبدل بسلطة أخرى و هذه طبيعة الأشياء أما الدولة فهي دائمة.

السلطة ليست الدولة خلافا لما يسوق له و رئيس الدولة هو ليس الدولة و إنما ممثلها.

ممثل السلطة ليس السلطة في حد ذاتها. و لكن ما وقع و يقع اليوم أن السلطة إستحوذت على الدولة و أجهزتها الصلبة و اللينة و جعلت منها إمتدادا لسياساتها و هي في الغالب غير دستورية و ظالمة و بذلك خرجت الدولة من دورها كراعية للمجتمع و حرياته إلى منظومة قهر و إستبداد.

هذه الدولة في صيغتها تلك تصبح دولة مارقة لا تطبق قوانين البلاد على نفسها و لا تحمي الحقوق و الحريات و لا تسهر على ضمان السلم الأهلية و هي بذلك تصبح جزءا من المشكل و ليست جزءا من الحل طبعا.

ثقافة الدولة في تونس متجذرة و قديمة و أغلب المواطنين العاديين لا يقبلون وضع الدولة في موازنات الخلافات فالدولة لا تخطئ و الدولة لا تهاجَم و الدولة لا تعارَض. و بالرغم من أن تاريخنا الحديث مليء بأخطاء السلطة الفادحة و حتى بالإجرام في حق الشعب في تسيير الشأن العام فإن الذكاء الشعبي العام البسيط ينزه السلطة من الخطأ لأن السلطة و الدولة هما نفس الشيء بكل بساطة. و هذا هو الخلط الذي تعمل الشعبوية على تكريسه.

أما الدولة المارقة فإن مستقبلها مرتبط بمستقبل السلطة المستبيحة لها، و لا أرى فائدة في التفاوض معها أمّا طريقة إصلاحها التي فشلت على مر العقود مسألة تعاد لتطرح على طاولة تجديد العقد الإجتماعي مجددا و مجددا إلى أن نصل إلى حل نابع من واقعنا و ثقافتنا و قيمنا السائدة. و هذه ضرورة و حتمية تاريخيّة و حضارية و تستدعي أن نسأل أنفسنا لماذا فشلنا ؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات