"الطبوبي: منفتحون على الحوار وغدا هيئة إدارية"،

يجيبونه: لكن نحن لسنا منفتحين على الحوار، نحن عندنا ملفات…

في التحليل الصحفي، الناس كلها عندها ملفات، السؤال المحدد يطرحه قادة البوليسية: هل ما يزال اتحاد الشغل قادرا على '"تعكير صفو النظام العام" بتحشيد منخرطيه لإنجاز إضراب عام يشلّ البلاد وإجبار السلطة على دفع ثمن للسلم الاجتماعية؟

ربما الجواب الأولي هو: "لا"، فقط بضعة آلاف لمدة ساعتين مثلا؟، لولا البدء في الإعداد للمؤتمر العادي أيام 25 و26 و27 مارس 2026، ثمة جيل مستهلك من قادة النقابات يرحل في مواجهة جيل جديد صاعد يطمح لصناعة شخصيات قيادية وسط حمى الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المتمثلة في الغلاء وانهيار المقدرة الشرائية والأبناء العاطلين عن العمل وتفشي الفوضى والفساد، وفي غياب السياسيين والوساطة الاجتماعية عموما في السجون بتهم المؤامرات يستعيد الاتحاد دوره التاريخي كوسيط اجتماعي في مواجهة سلطة الحلول الأمنية والقضائية، صحيح أن أربعة أشهر لا تكفي لصناعة خطاب وقادة جدد، لكن لنتذكر أن التحولات الاجتماعية الكبرى لا تستقيم لقاعدة مسبقة لا في الزمن الاجتماعي ولا الاقتصادي،

لقد صعد "ليخ فالوسا" (Lech Wałęsa) وهو عامل كهرباء عام 1968 فوق سياج حوض بناء السفن في ميناء غدانسك في بولونيا ليخطب بتلعثمفي زملائه الخائفين، لكنه أصبح بعد ذلك زعيم حركة تضامن التي أدت إلى انهيار نظام الجنرال يارولزنسكي في بولونيا وإحداث شرخ غير قابل للإصلاح مثل لعبة دومينو تداخلت فيه المخابرات والإعلام في الأنظمة الاشتراكية لأوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي نفسه الذي انهار وتفكك مع انهيار جدار برلين. نال ليخ فالنسا جائزة نوبل للسلام ومئات الجوائز الدولية الأخرى بصفته الكهربائي البسيط الذي خرب قطب النظام الاشتراكي الشيوعي في العالم، في الأثناء، أصبح ليخ فالونسا رئيسا فاشلا لبولونيا 1990-1995،

في جينات قادة اتحاد الشغل استعادة السلطة المعنوية للعمال بالقيادة المعنوية للرمز فرحات حشاد والقدرة على شل النظام العام أيا كان الثمن، كل ما يحتاجه الوضع بتقدير علم الاجتماع هو توفر البؤر المشابهة لعمال ميناء غدانسك البولوني، ما أحدثكم عنه هنا هي احتمالات، فلا أحد من علماء الاجتماع ومراصده يعطينا وصفة جاهزة للتغيرات الاجتماعية،

عندنا في تونس عشرات البؤر، قابس وتلوثها، قفصة ومشاعرها المتأججة، العاصمة بثلاثة ملايين ونصف بمشاكلها اليومية التي تخلق التوتر والجاهزية للاشتعال، النقل وظروفه الكارثية التي لم يجرؤ عليها أحد، المستشفيات التي قد تنتفض في أية لحظة من إضرابات الأطباء الشبان إلى الجسم الصحي كله، التعليم الذي قد يعود لألف سبب إلى إرسال مئات الآلاف من التلاميذ إلى الشوارع لاستفزاز صبر الدولة والنظام العام ثم ذلك الكائن المجهول الذي اسمه الطلبة: 315 ألف طالب، إن صمتهم لا يعني أنهم غير معنيين بما يحدث أو بالنزول إلى الشارع إذا سرت كهرباء العصيان في الشارع،

إنهم ليسوا هنا فوق السطح الظاهر حيث نسبة التأطير لا تتجاوز 1 بالمئة لكنهم هناك تحت السطح في عالمهم الافتراضي الغامض، الخارج عن سيطرة النظام العام والمفتوح على كل الاحتمالات، ذلك أن النسبة الأكبر منهم تلقت تكوينها وثقافتها بشكل مواز ومعارض وخارج سيطرة النظام العام والمؤسسة الاجتماعية، هم ليسوا فقط لا ينتمونه إليه ولا يؤمنون بل ينتمي أغلبهم إلى التمرد عليه ونسبة كبيرة منهم يديرون شؤونهم وانتماءاتهم في إطار شبكات افتراضية سرية غير مرئية حتى للأم والأب، تجمعها الموسيقى حاليا مع بعض القيم المتفرقة، لكن لا أحد يضبط إمكان توجهها إلى النزول إلى الشارع والفضاء العام للاحتجاج في ظل تعطل آليات التشغيل وخلق الثروة من العمل عن بعد مع الخارج ومصاعب الهجرة،

مع بداية ارتفاع حمى الاستعداد لتحديات انتخابات المؤتمر، يعمل اتحاد الشغل على استعادة بعض دوره القديم في تمثيل الساحة السياسية بطرق لا تثير أي خوف لدى سلطة السجن وملفات الفساد، لكن ذلك لن يكون تحت تأطير القيادات التاريخية القومية أو اليسارية التي فقدت مشروعيتها هذه المرة، أيضا الشعارات لن تكون نفسها بل العودة إلى المبادئ العليا المؤسسة للعمل النقابي من أجل تجديد دور الاتحاد،

بعد أربعة أعوام وأربعة أشهر من إعلان 25 جويلية 2021، سيكون هناك دورة تاريخ أخرى للعمل الاجتماعي الذي يعوض العمل السياسي في تونس، لكن لا أحد يستطيع أن يجازف بتوقع المسارات في علم الاجتماع، لا أحد كان يتوقع أن تنهار امبراطورية ستالين على يدي عامل كهرباء في ميناء غدانسك،

لننتظر ونرى،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات