ملحمة بن قردان و"دراما" البلد!

في السنوات الأخيرة تنتج التلفزة الوطنية، بعض الأعمال الدرامية لرمضان، وللأسف وباستثناء أعمال قليلة ارتقت الى مستوى العمل الدرامي المتكامل الذي يأخذ بأسباب الإبداع ويعلق بذهن المشاهد، فإن اغلب تلك الأعمال التي من المفروض أنها مموّلة من المجموعة الوطنية فشلت وغاب عنها الخيال والإبداع..

بل ورأينا سيناريوهات سخيفة بأفكار مكرّرة وأداء تمثيلي مرتجل وإخراج باهت دون روح.. هذا دون الحديث عن بعض "السيتكومات" التي شاهدت بضع حلقات منها وكانت مثالا يدرّس في الرداءة والفشل وإهدار سافر للمال العمومي، وإكراما لبعض الأسماء ولوضع الممثل التونسي البائس بطبعه لن أذكر أسماء..

دعكم من "الشلل الإعلامية" التي تشتغل وفق منطق "صاحبنا ندزو معاه" أو بمنطق "كل شي بثوابو "و تغيب عنها التقييمات الموضوعية الكفيلة بالارتقاء وتطوير هذا "السوق الدرامي "الذي يعاني من فقر مدقع على كل المستويات ويراوح مكانه منذ أعمال البدايات.. و دعكم من الكتائب الافتراضية التي تشتغل كأذرع تسويقية لأعمال تافهة ومبتذلة بغاية استمالة المستشهرين واللهث وراء الطماطم والشامية.. فتسعين بالمائة من تلك الأعمال يفترض ترفض من أول مشهد!

وككل عام ينتهي الموسم الرمضاني الدرامي دون نقد جدّي وعميق لتلك الأعمال، بخلاف ان الأقوى هو من يصنع الضجيج اكثر، بل ورأينا الاتعس وكيف ينتصب من له مصلحة مباشرة ليفتي في تلك الأعمال ويمنح "الجائزة" لمن لا يستحق!

وتصبح حتى الصفحات الافتراضية - التافهة ومجهولة المصدر-منصّة للتقييم وإثارة الضجيج حول هذا العمل أو ذاك.. وهذه جريمة في حق الإبداع والدراما جعلت انتهاجاتنا المحلية رهينة لدى "لوبيات" متوغلة في مراكز الإنتاج ومسيطرة على المشهد ولا أحد يجرؤ على تقييمها أو محاسبتها على أعمال ممول بعضها من فلوس الشعب!

ويبدو أن هذا المسار المختلّ ستكون له عناوين مدوّية هذه السنة!

فقد وصل الانفلات الي مستوى التجرّؤ على الذاكرة الوطنية و التطاول على لحظة تاريخية دفع الشعب من أجلها الكثير.. والمقصود هو ملحمة بن قردان..

وما تسرّب عن العمل الذي تستعد التلفزة الوطنية لإنتاجه، مثير لتساؤل والشكوك.. حيث نجد في الإنتاج المخرج الذي تحوّل في السنوات الأخيرة الى "الابن المدلّل" لماكينة الإنتاج التلفزي كأن من علّمه الإخراج لمن يعلّم غيره في بلد يعجّ بالمخرجين البطّالة والذي من واجب التلفزة و باعتبارها ملك المجموعة الوطنية وليست شركة إنتاج خاصة أن تمنحهم الفرصة..

كما من واجبها أن تمنح الفرصة لعشرات السيناريوهات المتروكة في الأدراج والتي لا يملك كاتبيها لا علاقات عامة تشفع لهم ولا ماكينات داخلية على ذمتهم، بل أن المؤسسة لا تكلّف حتى نفسها عناء التوضيح لأصحابها السبب الذي جعلها لا تتفاعل مع تلك السيناريوهات!!

وقد سبق ورأينا نفس المؤسسة تمنح فرصة لدخلاء عن الإنتاج ولنكرات في أعمال فضيحة شفع لها أداء بعض الكبار من الممثلين فقط ولكنها في النهاية اعتدت على حقنا كمشاهدين في تاريخنا!

كما وصل الانفلات أن فرص الإبداع أصبحت تمنح لمن يعلن ولاءه الى السلطة فيمنح له حق كتابة سيناريو حول واقعة تاريخية في حجم ملحمة بن قردان!!

تلك الملحمة التي غيّرت مسارات في تاريخ تونس يُمنح حق كتابتها دراميا ليس لكاتبي سيناريو أفذاذ، يستطيعون على الأقل احترام التاريخ والاستعانة بالمختصين وبمن اشتغل وبحث ووثّق وقائع تلك اللحظة بل للمؤلفة قلوبهم حول السلطة ولمن يهتفون للحاكم!

أن تهتف للحاكم وتتقرّب الى السلطة فذلك شأنك والتاريخ كفيل بك ولكن ملحمة بن قردان هي جزء من ذاكرة الوطن، هي تاريخنا، وهي ملحمتنا، ملحمة كل الشعب التونسي وليس ملكا لا للتلفزة ولا للمؤلّفة قلوبهم حول السلطة ويجب أن تُراعى اقصى درجات الشفافية في اختيار طاقم العمل وفي اختيار سيناريو ذلك العمل الذي يجب أن لا يهمل الجانب التاريخي والتوثيقي في القصة وان لا يكون في مستوى أعمال درامية مبتذلة رأيناها واعتدت على ذاكرتنا وتاريخنا ولم يعلق منها ولو مشهد في ذاكرة المشاهد!

تحب تعمل "الاختيار" ببصمة تونسية ما تعبثش بالتاريخ و لا تتطاول عليه ولا توظّفه لحساباتك ولا تذكّرنا بأفشل عمل درامي أنجزته التلفزة "الفرقة 27" الذي رأيت فيه إساءة بالغة للمؤسسة العسكرية!

اعتقد انه حان الوقت لفتح ملف الأعمال الإبداعية في كل المجالات الممولة من دافعي الضرائب.. ماكم تحبّو على الشفافية وقلتو أنكم تقاومو في الفساد.. تفضّلو ورونا الشفافية !

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات