التاريخ يكتبنا بسبابته

للتاريخ عشرة أصابع في كتابته تاريخ الأمم، من غير شك لم يبصم لأمة بأصابعه العشرة، وقد كتب تاريخ العرب مرة بالخنصر ومرة بالبنصر ومرة بالإبهام، لكن ليس أقلها كتبهم بسبابته لا رغبة منه بتشويه تاريخ العرب، بل لأن رجالاً منهم تبوؤا عروش العرب والمسلمين ،فما تركوا فناً في الإجرام والتنكيل والتوحش إلا أبدعوه.

ولا بدّ في هذا السياق من التأكيد بأن الهدف من هذا المقال ليس انتقاء أحداث وظواهر من سياق تاريخ فيه من شمس الحضارة مالا يحجب ضياؤها. إنما الهدف إبراز ظواهر وأحداث أفرطت في اجتهادات دموية ،شكّلت لمن تلاها نبراس هدى لتحليل سفك الدم وهتك الإنسانية. فتلك الأحدث انحرف محدثوها بالدين، ليشكلوا قدوات إجرام لمن اتبع هواه بغطاء ديني مزيف. نتج عن اجتهادات مزورة، هدفها تحقيق رغبات أصحابها مشرعنة بمكانتهم الإسلامية.

والطامة التي تخزي التاريخ لا أصابعه، أن يأتي سادة المسلمين بما لم يأته الجاهليون، وأغربها أن يهجم مسلمون على خليفتهم، ويحاصرونه ويمنعون عنه الماء، ويتحرشون بزوجته، وهو من جهّز جيش العسرة واشترى لهم بئر ماء إلى يومنا هذا مسجل باسمه. بينما كان أوائل المسلمين، والمبشرون بالجنة يرقبون المشهد من غير نصرته، وأن يتبع ذلك قتل بقية العشرة المبشرين بالجنة بأيد بعضهم ليس لغزاً حيّر التاريخ بأي إصبع يكتب.

وربما أصاب التاريخ التوحّد حين أراد كتابة مقتل حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعترته على يد الفاتحين،وتقصف مكة و تهدم الكعبة .

وليس مستهجناً أن يصيب التاريخ الانفصام، فلا يعرف سبابته من إبهامه حين يسجّل ما فعله حفيد العباس عبدالله بن علي بأبناء عمومته الأمويين، فاستأصل شأفتهم. وقيل بلغ قتلاه الملايين فضلاً عن نبش القبور وصلب الموتى. وحرقهم واستباحة المسجد الأموي بالخيل وجعله مربطاً لها.

أما حفيد الحسن بن علي، إسماعيل بن يوسف،فنهب مكة والمدينة وقتل ثلاثين ألفاً من الحجيج على عرفة ودنس الحرمين،و منع الحج ولم تكفه تلك الثارات .

أما أخونا في الإسلام العثماني " فخري باشا" فقد ارتكب وحده أربع جرائم ما أتاها سواه في تاريخ المسلمين بحق المدينة المنورة إحدى مقدسات المسلمين. كان أولها انتهاك حرمة الحرم النبوي، و تدنيسه بتحويله إلى ثكنة عسكرية لجنده ومستودعاً لأسلحته .

أما ثانيها فكان نصب مدافع الجيش في مآذن الحرم والمدينة. وقصف العرب المدافعين عن المدينة منها.

وأمّا ثالثها فنهبه محتويات مسجد الرسول الأكرم من نفائس ومقتنيات، و سرقة أهِلة المآذن ومكتبات المدينة . وقام بإدخال القطار حرم المسجد، وهدم كل بيت في طريقة. وأجبر رجال المدينة، ونسائها على أعمال الهدم من غير أجر أو طعام.

أما الرابعة و لا يصدق نسبتها إلى مسلم فكان عمله على نبش قبر الرسول الكريم، ونُقل عن "وثيقة في الخارجية الفرنسية مؤرخة في (13) من يونيو (1917)، أرسلها سفير فرنسا في القاهرة إلى الخارجية الفرنسية متضمنةً نية فخري باشا نبش قبر الرسول .

وتشير تلك "الوثائق المنسوبة إلى البعثة الفرنسية في مصر أن مهندساً مصرياً فرّ من المدينة المنورة لأن فخري باشا يريد إرغامه على تعديل منارات المسجد النبوي لتجهيزها بالرشاشات والمدافع. و روى نية فخري باشا بنبش قبر الرسول الله بذريعة التأكد من وجود الجسد الشريف". أدّت شهادته إلى ذيوع الخبر بين المسلمين فعملوا على منعه .

هذا الأحداث سنت للأجيال اجتهادات بصبغة دينية مناهج دموية، فقأت عين التاريخ، وألهمتم الإفراط بالدم وفنون الإجرام، وصارت حججاً لمن يسوّغ الدم.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات