في الأخطاء الشنيعة الشائعة عن الصحافة الوطنية،

أتامل زملائي الصحفيين من كل الأجيال في وقفة اليوم احتجاجا أمام قصر الحكومة، فيما كنا نقبل بعضنا كيف ما اتفق ونستحضر الذكريات، فكرت في أنه إذا استمرت الحال على ما هي عليه، سوف تنقرض مهنة الصحافة ولن نجد سوى عددا قليلا من الصحفيين "العجائز" من أمثالي يقفون عزلا احتجاجا على ضياع المهنة، لا أحد يقدّر فداحة أن يفقد مجتمع صحافته، هل تنتظرون أن تصنع لكم فتيات التيك توك والمهووسون بالشهرة أو روبوات تايلندا أخباركم؟ أم قنوات الكاسارونات وبرامج الفضائح وإذاعات المناولة من مواقع التواصل الاجتماعي: "ثمة فيديو يدور هذه الأيام حول واحد تعرى في مكان عام؟"، ربما وسائل الإعلام العالمية المحكومة بأجندات غير وطنية؟

أنظر إلى زملائي، كم منهم في الوقفة وكم منهم في تصوير وتوثيق الوقفة إنها من المرار النادرة التي نقف فيها في الجهتين: 90 بالمئة لا تعرفونهم لأنهم ليسوا معنيين بمدان وجوههم لأنهم "نمل العمل اليومي"، أكثر من ثلثهم يعانون مشاكل الأجور والحقوق الدنيا، مقاتلون حقيقيون في المظاهرات والكوارث والأزمات لا يعرفون النوم ولا الراحة حتى يصنع الخبر، "تتمنتج" الصور ويصل إليكم الصحيح وفق القواعد الكونية للإخبار، كم نمنا على الكراسي وعلى الأرض وتقاسمنا بقايا القهوة والسجائر والكسكروتات والنكت لمقاومة التوتر، سلمت بتأثر على المصورين الانتحاريين الذين يتقاسم الناس عملهم دون أن يعرفوا حتى أسماءهم، بعضهم أعرفه منذ 36 عاما،

أين المشكل؟ الناس لا يتأسفون على ضياع الصحافة التونسية بل يحملونها خطأ وظلما "أخطاء العشرية" لأن في أذهانهم خلط شنيع بين الصحفي المحترف والمنشطين والمنتجين والكرانكة وأصحاب صاحب البرنامج وصديق وسيلة الإعلام، لا أحد يعرف أنه في تونس، من يحكم محتوى وسائل الإعلام هم أصحاب المؤسسة وليس الصحفي، بعضهم لا يعترف به ولا بالاتفاقية المشتركة في قانون الشغل أصلا، ينتدبه ويدفع له أجره الضعيف على الولاء والقوادة، يطرده ويتركه لمتاهات قضايا شغلية قد تزيد عن عشرة أعوام لورثته. سنوات التسعين، وجعتنا قلوبنا ونحن نرى أسماء مستعارة في الصحافة الورقية لشتم المعارضين وتشويههم ومكلفون بمهام قذرة، فشلوا في مهنهم الأصلية فأطلقوهم في الصحافة لتمجيد الطاغية مجانا وشتم المناضلين بمقابل: قطع أرض وديار من أملاك الدولة وقروض، سفريات وتكليف بمهام بآلاف الدنانير فيما كان الصحفيون الحقيقيون على حافة الاحتياج، يقول عنهم زميل عزيز "الاستقواء بالأجنبي"، ليست لهم أية علاقة بالصحافة، لا يفرقون بين الخبر والتعليق ويفتخرون بعدم معرفة الأجناس الصحفية ولا القوانين المنظمة لها، مثل الاعتزاز بالإثم، مدفوع الأجر.

نشرت صورا عن الوقفة، كتب لي أحدهم: "هاذا نتيجة العبث في عشريّة الدمقراطية مستحفضتوش عليها والان تحصدون ما زرعت أيديكم"، الرجل لا يميز بين الصحفي والمنشط والكرنوك وغيرهم ممن افتكوا مهنة الصحافة، نحن زرعنا إنتاج الخبر الصناعي، نحن أعطينا المعنى لما يحدث، نحن كتبنا التاريخ اليومي الحقيقي للبلاد،

كتبت صديقة أحترمها:

"لن تصبح ..لقد أصبحت .حاجة اسمها إعلام والصحافة في تونس نأكدلك بالنسبة لجيل الشباب لا تعني شيئا"، ليس صحيحا سيدتي،

الصحافة ليست استعراضا ترفيهيا إنما شيء فرضته ضرورة إنسانية بطرح الأسئلة الحقيقية لترشيد الوعي والرأي العام وإعطاء معنى حقيقي لما يحدث لنا وكتابة التاريخ اليومي، لذلك أصبحت مهنة صناعية مثل الطب والهندسة، لذلك قال الكاتب الفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو: "إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك 'تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في الحانات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء"،

من أجل صحافة وطنية محترفة لا يجوع ولا يظلم فيها أحد،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات