قمع الاعلام و إصدار القوانين الزجرية

حالت "ظروف خاصة" دون أن أكون مع زملائي في وقفتهم الاحتجاجية اليوم القصبة التي قرّرتها النقابة الوطنية للصحفيين، و قطعا أنا أتبنّى كل مطالب الوقفة الاحتجاجية، وأرفض كل أشكال التنكيل الممنهج الذي تعتمده هذه السلطة التي لم تكتف بقمع الاعلام و إصدار القوانين الزجرية، المعادية للحقوق والحريات بغاية ترهيب الصحفيين وإرباك عملهم، بل سعت بجهد واضح الى انهاك واستنزاف الصحافة المهنية وتزييف الوعي بإطلاق يد "إعلام البروباغندا" الذي يكرّس الرأي الواحد وهو رأي السلطة..

عدم تمكين الصحفيين الى اليوم من بطاقة صحفي محترف لسنة 2025 والتي توشك على النهاية هو اعتراف ضمني من السلطة بأنها لا ترغب أصلا في وجود هذه المهنة من أساسه..

عدم تجديد تراخيص الصحافة الأجنبية التي تشغّل في النهاية عشرات الصحافيين التوانسة ليس إلا شكلا من أشكال تجفيف المعلومة وعزل البلاد عن العالم..

حتى البرامج التي أقرتها الحكومة لتحفيز الاستثمار الخاص مثل برنامج المبادر الذاتي، تم عرقلة الصحافيين من الانتفاع بها رغم إجازة ذلك قانونا..

كما تتجاهل السلطة الى الآن نشر الاتفاقية الإطارية للصحفيين المحترفين التي تم إمضاءها مع الأطراف الاجتماعية، وتنصّل الدولة هنا لا يبرّر إلا برغبة من يحكم في ترك المهنة في وضع هشّ، يسهّل عملية التحكّم والسيطرة، و أكبر دليل على ذلك عدم تسوية الوضعيات الهشة في القطاع العمومي والخاص، ناهيك عن رفض فتح مناظرات في الاعلام العمومي الذي لم تفتح فيه مناظرة واحدة منذ الثورة !

في المقابل نجد حماس منقطع النظير في إحالة الصحافيين على المرسوم 54 القمعي وتجاهل المراسيم المنظمة للمهنة وأساسا المرسوم 115 مع تعليق نشاط بعض مواقع الاعلام البديل الجادّة كنواة وانكفاضة و الهرسلة المتواصلة لموقع "المفكرة القانونية" و "الكتيبة".. والمواقع الأربعة المذكورة هم من أكثر المواقع مهنية وموضوعية و عمق في المشهد الإعلامي ككل.

هذا غيض من فيض، يترجم بوضوح شديد الى اي درجة تعادي السلطة الاعلام المهني والموضوعي الذي يحترم مبادئ المهنة وأخلاقياتها لا أهواء الحاكم ومزاجه..

السنوات الأخيرة راهنت السلطة على شيطنة كل نفس صحفي حرّ يرفض الإذعان من خلال الكتائب الافتراضية و أبواقها والمؤسسات التي تخلت عن ضميرها المهني وانخرطت في إعلام البروباغندا وأصبحت تمارس هرسلة وضغط داخلي رهيب على كل صحفي يريد أن يمارس مهنته كما يجب. وهذه الشيطنة التي مارستها كل القوى والأحزاب السياسية من بعد الثورة الى اليوم كان دائما هدفها تحجيم دور الصحافة الجادّة.. وقد اكتشفنا اليوم فداحة ذلك الأمر.. وكيف انقلب بعض السحر على الساحر.. لأن في المجتمعات الواعية يعامل الاعلام ك "حقّ" وعندما يكون حقّا هذا يفرض وجود مسؤولية مشتركة في الدفاع عن هذا الحق وتقويم ما اختل منه وليس شيطنته وتتفيهه !

أن تكون صحفيا حرّا ونزيه و مهني، لا يعني انك ضدّ أو مع السلطة، فللمعارضة أدواتها وللصحافة أدوات مختلفة تماما...الصحافة هي فعل مقاوم بالضرورة لكل رغبة في الانحراف عن الثوابت وأساس تلك الثوابت الحرية كفعل مؤسس لكل التجارب ومجال عملها السلطة و المعارضة على حدّ السواء ..

وأيضا للبروباغندا سقطاتها وحيادها المخادع وللصحافة ضميرها وأخلاقياتها وموضوعيتها الراسخة ..

أن تكون صحفيا يعني فقط انك مع الحقيقة، مع الرأي المقموع، مع من لا صوت له، مع المظلوم، مع الرواية المختلفة عن رواية السلطة التي تملك بالضرورة كل أدوات القوة والتأثير، في حين أن الاعلام هو دائما صوت الطرف الأضعف في القصة و منبر الرأي الآخر المختلف.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات