والوزيرة تتمسخر على مساجين عاملين إضراب جوع ومعرّضين أرواحهم للموت..

من أمس نجي باش نكتب على الخطاب التاريخي متاع وزيرة العدل، بآعتبارها أول وزيرة نسمعها تحكي في "السياسة" بعد الأخ أحمد الحشاني متاع "شوطها أنت!"، وبعد نبطّل!

داب ما نجي باش نكتب نتفكّر القهقهة متاعها!

وبعد نتفكر اللي هي قاضية!

وبعد نتفكر القضايا اللي جلست فيهم وأصدرت أحكام في حق مئات الناس.. وهي تقهقه تلك القهقهة التي لا تختلف في شيء عن شخص يقوم يقهقه في جبانة وإلا في فرق!

يعني بلاد حالتها تبكّي.. وكل شيء حابس! والناس أيديها على قلوبها خايفة على بلادها لا تضيع نهائيا بين لحظة وأخرى!

والوزيرة تتمسخر على مساجين عاملين إضراب جوع ومعرّضين أرواحهم للموت.. وفي الأدنى معرّضين أجسادهم لأمراض لا علاج منها، والسيدة الوزيرة، القاضية الوقورة سابقا، لاقية قلب باش تتمسخر عليهم وتشكك في حقيقة إضرابهم بنبرة كلها استهتار بحياة رهائن عند نظامها...

لا وزيد تقهقه.

وهي أول من يعلم أن الذين أعلنوا إضرابهم عن الطعام هم بعض خلاصة تاريخ السياسة في تونس خلال العقود الأخيرة!

بكل أخطائهم وعيوبهم..، كل المضربين في السجون شخصيات تتجاوز مصداقيتهم كأشخاص بما لا يقاس الطفرات التي جاء بها هذا النظام الكاراكوزي.. الذي لا يشبه شيئا!

قهقهة الوزيرة في سياق تونسي مأساوي تجعل أي شخص سويّ يشعر بالرغبة في القيء!

لا سياسة لا وذني.. قيء حاشاكم!

تبا.

لو أن راشد الغنوشي يموت في السجن!!؟

وهو أمر وارد جدا أن يحدث في أي لحظة بالنظر إلى عمره، أو أن يحدث بعد سنوات بالنظر إلى كثرة التهم الموجهة إليه وخطورتها، وإلى الأحكام الصادرة في حقه إلى حد الآن!

الغنوشي شخصية تونسية خلافية جدا. يقدّسها كثيرون ويشيطنها كثيرون. وكلا الفريقين لا فقط مخطئ في نظري، بل هما وجهان لعملة واحدة.. عملة اللاّعقل. فالتقديس والشيطنة ليسا من أفعال العقل.. بل انفعالان بدائيان معطّلان للتفكير السويّ.

فالذي يشمت في الغنوشي ويعبّر عن سعادته بسجنه، أو حتى يضمرها في قلبه، هو عندي حيوان! والذي يعتبر الغنوشي زعيما عظيما وفذّا لا نظير له ومفكّرا عالميا لا أحد مؤهل لنقده.. هو عندي شخصية مستلَبة لا قيمة لرأيه!

الآن.. الغنوشي في السجن بتهم، أؤمن، من دون الحاجة إلى الدخول في جدل سخيف، أنها تهم سياسية ملفّقة ومتهافتة. فالرجل منذ عودته إلى تونس بعد الثورة انخرط في ممارسة سياسية سلمية علنية اقتضاها تصدّر حركته لتجربة الانتقال وتحوله إلى أحد وجوه التجربة التونسية داخليا وخارجيا.. يعني لم يكن من مصلحته مطلقا ولا في استطاعته أن يخالف القانون بأي شكل حتى إن أراد ذلك! بما يجعل سجنه مجرد إجراء سياسي لشلّ حركته ومنعها من العودة إلى السياسة، مع رغبة مرَضية لدى بعض المتنفذين في التشفّي من شخصه!

وفي أقصى الحالات، الانقلاب ليس مؤهلا لمحاسبة الغنوشي على تجاوزات للقانون قد تكون ارتكبتها حركته في تمويل الحملات الانتخابية مثلا....

لذلك.. سجن الغنوشي الآن، في هذا العمر، وإمكانية موته في السجن بين لحظة وأخرى.. هو جريمة.. وعار على البلاد!

وعلى التونسيين اليوم أن يُخرجوا الرجل من هذه المساحة الموبوؤة المتنازع عليها فيما بينهم.. فيعيدوه إلى ذاته كإنسان فرد من حقه علينا وعلى نفسه أن يعيش شيخوخته محفوظ الكرامة.. بين أهله!

سيقول لي البعض أنه هو ذاته سعيد بوضعه الحالي وربما أراده، لأن سجنه في عمره المتقدم هذا يغذّي لديه الصورة التي استثمر فيها كل حياته: صورة الزعيم الكبير والعالم الذي يضحّي من أجل فكرته وجماعته، ويقبل أن يموت في السجن ليُلهم موتُه أنصاره من بعده ويشحنهم بإيمان مضاعف ب"مشروعه/م". ولعله يرفض، بعد حياة زعامة مطلقة، أن يموت شيخا هرما منسيّا في بيته، ويفضّل نهاية صاخبة تُشبع "زعامته"!

وهذا وارد، رغم أنه ليس أكثر من "وهم". وهم فردي وجماعي! وهمٌ يتربّى داخل الجماعات ذات النشأة السرية التي تحتاج إلى صورة قائد استثنائي ملهم للخيال ومحفّز للإرادة! وهم يستبطنه كلا من القائد والمريد، ويصبح مع الزمن الوتد المركزي لخيمة الهوية الحزبية الجامعة!

هذا الوهم الذي نشأ زمن السرية والتحرك في ظلمة الغموض والرسائل المشفّرة والأسماء المستعارة.. تجاوزه الزمن جدا. واستمرار تغذيته الآن نشاز فكري، والتمسك به إهانة لذوات الناس المنتمين إلى "مشروع إسلامي" فقد كل مبررات استمراره، على الأقل بعناوينه القديمة!

والأخطر في هذا الوهم أنه يمنع ولادة السياسة عندنا، بآعتبارها إدارة عقلانية للشأن الجماعي. وبعد أن أثبتت عشرية الانتقال وخماسية الانقلاب أن نكبة بلادنا هو تمنّعها عن العقل، من واجب الجميع أن يعدّل بوصلته ويكفّ عن الاستثمار في الأوهام القاتلة للسياسة.

الغنوشي سياسي خاض تجربة طويلة من حق الجميع بل من واجبهم تقييمها.. وتتجاوزها! ولكنه كإنسان/تونسي/شيخ من حقه على التونسيين أن يمكّنوه من عيش شيخوخة آمنة مطمئنّة فيها احترام كامل لحرمته الشخصية.

والتعلل بأنه أجرم في حق البلاد حين حكم ويجب أن يُسجن حتى إن مات في سجنه ، حديث مرضٍ وتشفّ وانحراف نفسي مغلّف بالسياسة، فالأخطاء السياسية لا تعالج بالتوحش والحيوانية.

والتعلل بأنه من العظماء ويجب أن يستكمل رسالته وزعامته، ولا يضيره السجن وإن مات فيه، هو حديث وهم واستلاب وانحراف نفسي أيضا!

مؤسف ومؤلم وموجع أن يُحصر مصير شيخ بين التوحش والوهم!

تبا

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات