انظري جيدا الى أحداث القصة …
دخل القيادي الديمقراطي المعتقل جوهر بن مبارك منذ أسبوعين تقريبا في إضراب قاس عن الطعام . كان واضحا أن الهدف من إضرابه هو مقاومة النسيان والتطبيع مع اعتقال الحركة السياسية التونسية دون أفق مع منعها من محاكمة علنية كما هو معهود في عقود الاستبداد " المحترم " حين كانت الدولة العربية التسلطية تحاكم معارضتها وتستعمل قوتها القهرية في الانتصار عليها وتمنحها المحاكمة العلنية لتكون فرصة ترافع فيها هذه المعارضة عن نفسها سياسيا وفي أحيان كثيرة تتحول هذه المرافعات الى نصوص سياسية في محاكمة الاستبداد ومع ذلك تقبل بذلك الدولة العربية التسلطية ليبدو استبدادها " محترما" لقواعد اللعبة السياسية ..
هذا هو ادنى الحقوق الذي تضمنه أعراف الصراع التقليدي بين " الدولة العربية القوية بأجهزتها" والتي من المفروض أنها لا تخاف معارضتها التي لا تملك غير خطابها الأخلاقي وشرعيتها النضالية .
لم تتفاعلي سيدتي الدولة مع هذا التحرك السياسي بالجسد والأمعاء الخاوية فالتحق بالإضراب زعيم سياسي بوزن عربي وإسلامي ودولي معلوم وبصفة سابقة في مؤسساتك سيدتي الدولة الموقرة وهو الشيخ الثمانيني الأستاذ راشد الغنوشي رئيس البرلمان السابق الذي أنهيت مهامه بقرار منك …
والتحق بعد ذلك رفاقه في القضية المركزية للحركة السياسية التونسية ( القضية التي سميتها حضرة الدولة بقضية التآمر 1) وهم على التوالي القادة السياسيون عصام الشابي ورضا بلحاج وهما عضوان سابقان في عدد من مؤسساتك سيدتي الدولة والقيادي عبد الحميد الجلاصي وهو سجين سابق لديك من عهد الصراع التقليدي بينك وبين معارضتك السياسية يا سيدتي .
حالة المضرب الأول جوهر خطيرة فضلا عما أكده محاموه من اعتداء عليه منذ يومين وحالة الشيخ الثمانيني ورفاقه الآخرين ستتعكر بشكل مطرد وهو ما سيزعج صورتك ومنزلتك يا حضرة الدولة مع ما تعانينه الآن من أزمة اقتصادية وملامح غضب اجتماعي وانفضاض كثير من مناصري السلطة التنفيذية التي تتولى إدارتك العليا حاليا .
سيكون من الحكمة في مرحلة أولى أن تنقلي المضرب جوهر بن مبارك الى احدى مؤسساتك الاستشفائية العمومية وان تأذني للوظيفة القضائية بالتعهد بضمان المحاكمة الحضورية والعلنية للحركة السياسية التونسية فتكون فرصة للنقاش، والتفاوض العلني كمرحلة أولى للذهاب الى الحل السياسي الوطني بمراحل متفق عليها تخرجنا كحركة سياسية تونسية وتخرجك من هذه الأزمة البينية حتى نذهب الى التفكير في شؤون وطننا بشكل جماعي لعلنا ننجو ونجد لأنفسنا مكانا يليق بنا وسط عواصف التحولات الصاخبة التي يعيشها عالم ومنطقة يرتبان نفسيهما بتظافر الأقوياء …