عن سؤال إلى الذكاء الاصطناعي في الصحافة،

دورات التدريب على الذكاء الاصطناعي في الصحافة تتالى وتتكاثر وترصد لها أموال طائلة بوعود وهمية أن صحافة المستقبل بيد "مولانا الذكاء الاصطناعي" الذي سيعوض الصحفيين ولذا عليهم تعلمه والسيطرة عليه قبل أن يستولي على مهنتهم، الغريب أني لم أجد "مكونا واحدا" يفهم في الصحافة ولا صحفيا واحدا يفهم في البرمجة (يبدو أني الوحيد fou الذي بدأ البرمجة للأجناس الصحفية الصناعية). مدارس الصحافة في كل أنحاء العالم تدرس الأجناس الصحفية الصناعية التي هي ثمرة عشرات السنين من التطوير المهني باختلافات بسيطة: الخبر وصحافة الوكالة، الريبورتاج أو القصة الخبرية، الحوار، التصوير الصحفي، التحقيق الصحفي أو الاستقصاء، التحليل الصحفي ثم صحافة البيانات التي تختص الآن بتوظيف الذكاء الاصطناعي لمعالجة كم هائل من المعلومات وتنسيقها في وقت قياسي لكن دون القدرة على إعطائها معنى صحفي حقا،

عندنا أستاذ في معهد الصحافة اخترع مفهوم "الصحافة الجالسة" (المتكئة): صحفي في مكتب فاخر أو أي مكان يختاره في تونس أو خارجها مع اتصال قوي بالأنترنيت ورجال الأعمال والسلطة إنما دون أي اتصال إنساني واقعي وهو ما يمكن إحالته إلى الذكاء الاصطناعي بسهولة، عكس دروس السيد بوايي مؤسس معهد الصحافة في مادة صيد القصص الإخبارية "chasse aux nouvelles" التي لم يعد يدرسها أحد، كان يأخذ طلبته كل مرة إلى دشرة أو مدينة ثم يطلقهم أحرارا بحثا عن قصة تصلح مادة صحفية اعتمادا على إذكاء غريزة الاتصال الكونية،

باهي، الآن في حالة وقوع كارثة، لا سمح الله، من نوع فيضانات أو حريق أو زلزال في أي وطن، هل سترسل الذكاء الاصطناعي لوصف الوضع بدقة الصحفي وخبرته واختصاصه والبحث عن شهادات وترويض الناس لإقناعهم بالحديث؟ هل يستطيع الذكاء الاصطناعي المشي على ساقيه بين الركام والكوارث بحثا عن أسرار ومعاني ما حدث؟ هل يستطيع العثور على قصص إنسانية تعطي معنى لما حدث؟ كل ما تفعله أقوى حواسيب الذكاء هو مساعدتك بخلفية معلوماتية حول المعطيات الجيولوجية، أحدث سابقة مماثلة، مقارنة بين أشكال الاستعداد للتعاطي مع الكوارث، لكنك ستكون الأول في أي معلومة ميدانية،

ثم بالشوية؟ من يملك الذكاء الاصطناعي وأنفق أموالا طائلة لتطويره؟ هل تتخيل أن ذكاء ديب سيك الصيني يحتمل عملا صحفيا حول الجمهوريات الإسلامية غرب الصين؟ أو ذكاء فرنسيا يقبل الاستقصاء حول التجارب النووية في صحراء الجزائر؟ أي واحد يقول لي إنه طور ذكاء اصطناعيا عربيا، سأقول له: "يزي عاد، من مول لك ذلك"، إلا إذا أعاد اختراع العجلة والماء الساخن وعاد إلى معادلات الخوارزمي نفسه وهو ما يجب أن يتطلب أعواما وثروة، أصلا، لكي "تدور معالجات ذكاء اصطناعي" أنت تحتاج إلى ثروة دولة غنية، لا تدفعها إلى بمقابل، اسأل عنه، إذا لم تكن تعرف les opérateurs logiques وأهم المبادئ في الرياضيات، رجاء توقف عن الاعتقاد بأنك تصنع ذكاء أو حتى تشتغل عنده، فما بالك بتعليمه للصحفيين،

لذلك، التواضع لم يقتل أحدأ لكن مهنة الصحافة الجميلة ما تزال كما هي، لنتوقف عن الاعتقاد أن الذكاء الاصطناعي سيعوض مهنة الصحافة أو سيكتب ريبورتاجات إنسانية أو ينقل إلينا الحقيقة في إطار التأريخ اليومي للأحداث أو حتى يحاول إعطاء معنى حقيقي لما يحدث، كل ما في الأمر أننا سوف نحتاج إلى صحفيين مناضلين مقاتلين من أجل حقيقة الإخبار وتوثيق ما يحدث والتضحية بحياتهم وصحتهم من أجل ذلك، في انتظار خلق آلة مناضلة تستطيع أن تتنازل عن حاجياتها الدنيا من أجل الحقيقة،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات