لا تختر يا جوهر نهاية لا تقوى ضمائرنا على احتمالها ابدا!

أصبت بالرعب للحظة و أنا أقرأ تدوينة الأستاذ كريم المرزوقي الذي نشرها منذ قليل بعد أن كان في زيارة لجوهر بن مبارك..

جوهر يصرّ على عدم التراجع، وضع الموت أمامه ويتقدّم باتجاهه دون تردّد، قال انه يحب الحياة ولكن لا يحب الحياة التي لا معنى لها.. وما أفظع أن يوصلك أحدهم الى لحظة قهر وظلم تفقد فيها الحياة المعنى !

لا أصدّق أن جوهر ذلك الرجل الذي يتقدّ حيوية ويجادل باستمرار ويملك الحجة دائما ويندفع بقوّة تجاه الأشياء ولا يتراجع أبدا يمكن أن يصل الي لحظة كهذه.. أن يشعر أن حياته لم تعد تعني شيئا..

لكن حياتك تعني يا جوهر.. تعني لوالدك ولأبنائك ولشقيقتك.. ولنا تعني حياتك..

ربما تشعر بالخذلان وهذا ما قالته البارحة دليلة.. وربما خذلك البعض كأحقر ما يكون الخذلان .. ولكن هناك دائما من حاول من أجلك يا جوهر.. قاتل بضراوة من أجل حريتك وحرية بقية المساجين الذين كان ذنبهم الوحيد الرأي والموقف المختلف..

لو تعلم أي غصّة يشعر بها كل من يملك ولو ذرّة ضمير وأنت تفعل بنفسك ما تفعله.. وأنت تضع موتك ثمنا للبراءة!!

لو تدري بماذا تشعر عائلتك وكل رفاقك وأصدقائك ومحاميك الذين يشعرهم وضعك بالعجز والقهر..

قلت اني شعرت بالرعب والهلع.. ربما البعض ينسى ولكن أنا لا أنسى.. ففي 2012 فقد بشير الڨلّي ومحمّد البختي حياتهما بعد إضراب جوع وحشي !! ..

كانا من الشباب السلفي ولذلك يتجاهل البعض موتهما بذلك الشكل المريع الى الآن، لأننا في هذا البلد نبيع "الحقوق والحريات والديمقراطية" بالوقية ونص رطل.. ونوزعها حسب أفكارنا وأيديولوجيتنا.. ولا نخجل أبدا أن يحرم منها إنسان لمجرد انه خصم فكري أو سياسي..

وفاة بختي وڨلّي ستبقى إثما يلاحق البعض مهما تجاهلوا الأمر..

نعم كانا من الشباب السلفي و قد شاركا في الهجوم على سفارة امريكا-ڨلّي انكر ذلك دائما- ولكن هل معنى انهما ارتكبا فعلة يجرّمها القانون أن نصمت عن كل انتهاك يصيبهما.. ان نصمت عن موتهما وعدم انجادهما وهما يخوضان إضراب الجوع في السجن ..

قلنا ونعيد دائما.. السجن مكان تعاقب فيه على أفعال يجرّمها القانون، تفقد فيه حقوقك المدنية ولكن لا يجب أن تفقد فيه لا كرامتك ولا إنسانيتك ولا حياتك!!!!

وقتها طبعا كنّا في ذروة التشنّج الهوياتي ولم يحسن السياسيين إدارة الاختلاف ومن وقتها سقطنا في بئر لا قرار له!

كما هو الحال مع جوهر اليوم.. فهل اختلافك معاه أو تأييدك للسلطة يسمح لك بأن تقبر إنسانيتك وضميرك ويجعلك تتجاهل وضعه وتشمت فيه!

لو حدث وان كنت من هذا النوع فأقم على نفسك سردقا و عويلا..لأنك لا تعرف كيف تكون إنسانا!

يوم جنازة بختي وڨلي كنت هناك.. ورأيت الحسرة والقهر في عيون أفراد عائلتيهما.. حزن لا يترجم بالكلمات.. ولكنه ظلّ عالقا في ذهني.. عندما يجتمع الإحساس بالظلم والقهر والعجز يتحوّل الإنسان الى كتلة من الوجع لا يجد كلمات تفسّره!

وقد رأيت في ملامح سي عز الدين و دليلة الكثير من القهر..

فلا تفعل يا جوهر..

لا تختر نهاية لا تقوى ضمائرنا على احتمالها أبدا!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات