دموع دليلة كانت دموع القهر…

في فيديو مؤثر تم تداوله منذ قليل للأستاذة المحامية دليلة بن مبارك ، جددت شقيقة المعتقل السياسي جوهر بن مبارك التعبير عن مخاوف العائلة على صحته وهو يدخل قريبا الأسبوع الثاني من إضرابه عن الطعام والماء والأدوية .

دليلة بن مبارك و فضلا عن صفتها العائلية والمهنية هي ناشطة حقوقية ونسوية عملت في صفوف الحركة اليسارية الديمقراطية منذ فترة شبابها على نفس الدرب الذي سلكه والدها ثم هي وشقيقها وهي من عائلة سياسية حداثية مناضلة حيث أن خالها هو المرحوم رضا الزواري أستاذ الفلسفة والنقابي والسياسي المعروف في تونس وصفاقس منذ أواسط سبعينات القرن الماضي ، كما كانت والدتها المرحومة بهية خير سند لرفيق دربها عزالدين في محنته السجنية مع منظمة العامل التونسي ورعت ابنها جوهر وابنتها دليلة على مبادئ أبيهما والعائلة المسيسة وصبرت وصابرت في شقة صغيرة بأحد شوارع باب بحر بصفاقس كانت قبلة للسياسيين من رفاق عزالدين وشهدت اجتماعات مشهودة للتنظيمات والجمعيات والمبادرات التي ظل عزالدين ينخرط فيها باستمرار من اجل تونس الحقوق والحريات والديمقراطية دون أن يرجو من ذلك جزاء أو شكورا أو تحقيق منافع أو مصالح .

لماذا أقول ذلك ؟ ..لأبين أن دموع دليلة في هذا الفيديو وان جملها الغاضبة وخيبة املها التي عبرت عنها لم تكن دموع الضعف أو خيبة امرأة عادية لا تفهم في النضال وضريبته ولكنها في الأخير دموع الإنسان وخيبة الإنسان الذي يحتاج في لحظة ما ان ينفس عن الجروح الغائرة في نفس البنت التي دفعت ضريبة نضال أبيها من اجل تونس والم الأخت التي ترى شقيقها يواجه ظلما عاريا بلا مبرر إلا لأنه مارس حقه في المواطنة كما تكفله له كل قوانين الدنيا ودساتير الدول الحديثة وأولها دستور بلاده .

دموع دليلة كانت دموع القهر …

هذه دولة أكلت أبناءها الذين احبوا تونس منذ الاستقلال دولة ديمقراطية لجميع مواطنيها وليست دولة نظام الحكم الفردي والمصالح الضيقة …

الأستاذة المحامية دليلة بن مبارك تبكينا وتبكي جيلنا وخيباته ...نظام اكل جزءا من عمر أبيها في دهاليز الداخلية وبرج الرومي ويأكل الآن من عمر أخيها في معتقله حيث يقدم جسده قربانا للدفاع عن الدستور والقانون الذي درس مبادئه للطلبة وأراد أن يراه متجسدا في دولة ما بعد الثورة …

ليست دموع الضعف بل هي دموع إحساس البنت والأخت والمناضلة الحقوقية العزلاء أمام هذه القوة العارية لسلطة الأمر الواقع …

دليلة تضع بدموعها جيلنا والجيل الذي سبقنا أمام مأساة الإفاقة على الأحلام الكبيرة المهدورة بممارسات دولة القمع الغاشم …

لكنها دموع استراحة المحارب ...لأن دليلة ستعود اقوى كما كانت .. مثلما ولدت دليلة وولد جوهر من صلب عزالدين ورحم بهية رحمها الله ..ومثلما خرج جيلنا من مدرسة عزالدين وغيره من مناضلي الحرية ...ستخرج أجيال أخرى تكافح من اجل الدولة الديمقراطية العادلة التي تليق بأبنائها ...وسيعلم القمع ووظيفيوه والساكتون عنه والمنظرون له والمناصرون لخياراته ان المستقبل في هذه البلاد للحرية والكرامة الوطنية.

عندما تأتي اللحظة ستكون دموع الحرائر وزغاريدهن إيذانا بأن تونس ستستأنف مسارها الديمقراطي وستنجز تنميتها الوطنية المستقلة وسيكون عدل وازدهار بدولة المواطنة وحكم القانون والدستور وعندها ستكون أحلام عزالدين ورفاقه قد تحققت ...وبعدها لن تبكي بناتنا على أشقائهن ...لأن المعتقلات ستكون قد أغلقت لتتحول الى مسارح وقاعات سينما ..يشاهد أحفادنا على شاشاتها أشرطة ويناقشونها كما كنا نستمع الى عزالدين مساءات الجمعات وهو يناقش ويثقفنا في نادي السينما في قاعة بغداد التي نتجه اليها ونحن تلاميذ بعد شرب قهوة ساخنة في مقهى الكهف القريبة منها ...هل تذكرين يا دليلة؟ لا شك انك تذكرين …

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات