عز الدين الحزڨي : هزمت مشاعره ولم تهزم لا عناده ولا مبادئه ولا قناعاته..

شاهدت منذ قليل فيديو المناضل الكبير عز الدين الحزڨي، وهو يتحدّث عن وضعية ابنه جوهر المعتقل السياسي المضرب منذ أيام عن الطعام و بدأت صحّته في التدهور بشكل مخيف !!

من قبل شاهدت فيديوهات كثيرة لسي عز الدين، كان دائما ثابتا ومتماسكا كجلمود صخر .. تشعر كأنه جبل لا يهتزّ وهو الرجل الذي خبر النضال واختبره منذ لحظة "برسبكتيف".. الحلم اليساري الجميل الذي اكتشفت معه النخب أن الاستقلال وحده لا يصنع الكرامة الوطنية وان الحقوق والحريات لا تقلّ أهمية عن رغيف الخبز و أن الآباء المؤسسين للدولة لهم خطاياهم وهم يتلبّسون بجرم رفض الديمقراطية !

عز الدين الحزڨي الذي جرّب السجن في زمن بورقيبة وزمن بن علي و اتخذ من النضال ضدّ الدكتاتورية مبدأ لا يحيد عنه في حياته.. هزمته أبوّته هذا المساء..

هزمت مشاعره ولم تهزم لا عناده ولا مبادئه ولا قناعاته..

كان صوته يرتجف وهو يتحدّث عن جوهر، و كل تعابير الغضب والحزن اجتمعت في ملامحه.. كان صوته مرتفعا وقويا كالعادة ولكن الألم كان يعتصر كل حرف و احتراق قلبه يتسلّل مع كل كلمة ..

أي ذنب ارتكبه ذاك الشيخ ليعيش كل ما عاشه في حياته، غير توريث أبنائه ذلك الإرث الشريف في حب الأوطان دون حساب بل و التطرّف في حبّها.. في الدفاع عن إنسانية الإنسان، عن كرامته، عن حرّيته، عن حقه في مواطنة سوّية.. في الدفاع عن القانون و احترامه مهما كانت الكلفة!

وقد ورث جوهر كل ذلك..

جوهر بشخصيته الفريدة، بصوته المرتفع، ودفاعه الجامح عن الحقوق والحريات وانحيازه دون قيد ولا شرط للدستور والقانون وهو أستاذ القانون الدستور الممتلئ بالمعرفة والتميّز والمسؤول أخلاقيا على ضرورة احترام كل ذلك..

جوهر الذي قفز على كل الفجوات الأيديولوجية تحت مفاهيم لم يعتدها المشهد السياسي التونسي الذي ظلّ حبيس" العداوة" ولم يطوّر نفسه ليصل الى مستوى الخصومة دون أحقاد..

الى مستوى الاختلاف دون إقصاء وعدم الاختلاف عن ثوابت الدولة الديمقراطية وحول الحرية كقيمة مطلقة لا تقبل التفاوض..

صمد جوهر لسنين في السجن وكان كل مرة يختار أن يتصدّى بجسده الأعزل ومن داخل زنزانته الصغيرة للظلم المسلّط عليه..

تصدّى بأخر سلاح يملكه.. الأمعاء الخاوية تلك المعركة التي تخاض دون مشاعر حيث يكون الجسد في مواجهة حاسمة مع واقع ظالم.. فعل جوهر ذلك احتجاجا لحرمانه من ابسط حقوقه وهي الحضور في قاعة المحكمة والوقوف أمام القاضي لينظر في عينيه وهو يحاكمه!

ولكن جسد جوهر المنهك من السجن والظلم يبدو أن هذه المرّة اختار أن يندفع بكلّه الى نهاية المعركة.. تجاوز الأمر الاحتجاج والرفض الى البحث عن نهاية لقهر يأكل روح المظلومين..

عندما يدان الإنسان بجرم حقيقي وبمؤيدات واضحة فعقله يتقبّل العقوبة مهما كانت قاسية ولكن الظلم الذي لا تستطيع ردّه يثخن الروح.. يجعلك ترفض حتى مواصلة تأثيث المظلمة.. و تبحث عن الانسحاب من المهزلة فقط !

وجوهر اختار هذه المرّة أن ينهي المأساة على طريقته ان تكون بيده ولا بيد عمرو.. وان يكون اخر ما بقي من جسده المتهالك من حياة هو الثمن!

مشهد غارق في التراجيديا لأب لا يدرك ماذا يفعل.. ولعائلة وأحبة وأصدقاء لجوهر أعجزهم الاستبداد و الخذلان عن إنقاذ جوهر من قراره الأخير.. من "موته البطيء" كما أعلن ذلك !

لو حدث لجوهر مكروه - لا قدّر الله - بماذا يمكن ان نبرّر صمتنا على الجريمة.. كيف يمكن أن نشرح أو نفسّر الأمر لوالده.. لذلك الشيخ الذي بذل سنوات عمره من اجل أن يكون لنا كشعب لو قليل من الكرامة وخذلناه كأقحر ما يكون الخذلان!!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات