تكلّموا عن جوهر

من يعرف جوهر بن مبارك (وقد عرفته زمنا وجيزا) يعرف أنّه يمتلك من الرؤية ما يجعله قادرا على إدراك اختلالات المرحلة والقوى التي تمنع تقدّم البلاد وتحررّها ، والأجهزة التي تحكم قبضتها عليها حدّ الاختناق. جوهر المثقف دستوريا وقانونيا العنيد طبعا الممتلئ بحماس أسطوري للتّغير المهذّب والجامع للشّتات والمتجاوز للشرّوخ بين أصدقاء الديمقراطية، هو الوجه الذي يربك منظومة الحكم الحاليّة والمتمدّدة وواجهتها السياسيّة.

عرفت جوهر سنوات ما بعد الثورة في أوج اندفاعه السياسي ومقارباته النّقديّة لكلّ من أخلّ بالتّجربة الدّيمقراطيّة وبجوهرها الاجتماعي، وخاصّة من يحكمون في تلك الآونة، مقاربة يساريّة اجتماعيّة ( وهو المنحدر من عائلة يساريّة مناضلة ) تهدف إلى خلخلة بنية التّمايز الطبقي والاجتماعي، لكنّه في آن واحد كان يؤمن بأدوات الدّيمقراطيّة وبآلياتها التي يمكن أن تؤدّي إلى التّغيير ( حضرت مؤتمر دستورنا وعاينت ذلك بالاستماع إلى جلبار نقّاش والكبير عزّالدين حزقي وجوهر ) ) ، لذلك لم يرض أحد على جوهر، وتعرّض إلى القصف من جبهات كثيرة، ولذلك أيضا لم يمكنه أن يقبل بالانقلاب باعتباره تغييرا عنيفا يعتمد قوّة الأجهزة لفرض إرادة فرديّة فوقيّة محدودة الرّؤية.

جوهر مكانه ليس السّجن. السّجن لمن يفسدون كلّ شيء من أجل مصالح فرديّة ضيّقة. جوهر مكانه أوّلا كلّيته لينير عقول طلبته بالمعرفة الحقيقيّة، ومكانه الساحات الفكريّة والسياسيّة من أجل بناء مستقبل تريد أقليّة متخفّية بالأجهزة احتكاره.

المستقبل لا تبنيه الأنانيات ولا التّخويف ولا الظّلم. المستقبل تبنيه العقول الحرّة. كلّ التّضامن مع جوهر في إضرابه الوحشيّ عن الطّعام.

تكلّموا عن جوهر وعن كلّ المعتقلين ظلما دون استثناء.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات