في بيداغوجيا التعامل مع التلميذ/الشاب/الإنسان:

الحجة المركزية التي رددها كل الذين رفضوا تمكين التلاميذ من أداء الصلاة في المعاهد هي أن المدرسة مؤسسة مخصصة للتعليم وتكوين العقول لا للتعبّد.

النظام زمن بورقيبة وبن علي كان يرفع في وجه نواتات التسيّس عند التلميذ/الشاب/المواطن نفس الحجة: المدرسة للعلم لا للسياسة.

وفي الحقيقة لم تكن هذه الحجة إلا مقدمة لتبرير استعمال كل أشكال القمع والتعذيب والسجن والإهانة التي واجهت بها الدولة شبابها خلال أجيال.

وهؤلاء الذين يستدعون هذه الحجة ليسوا إلا "كلاب حراسة" أسوأ نموذج للدولة في التاريخ.. الدولة الآكلة للحوم مواطنيها.

عبارة "المدرسة للعلم فقط" حجة شكلانية، في ظاهرها دفاع عن العلم، وحقيقتها نقيض جذري لأي تفكير علمي. لأن العلم يقول أن مرحلة الخروج من الطفولة إلى الشباب مرحلة حساسة جدا في تشكّل شخصية الإنسان. وحين يردد مثقفون جامعيون في اختصاصات مهمة كالتاريخ وعلم الاجتماع والقانون حجة شكلانية بليدة سلطوية قهرية كهذه، فهذا دليل على خلل عميق في تكوين هذا الجيل الجامعي كله.

وإلا ما معنى أن تواجه تلميذا شابا أنت مسؤول عن رعاية الإنسان فيه بمنطق المنع "القانوني" العنيف الجاف من دون أن توفّر له سياقا يمكنه من تصريف طاقة شبابية متفجرة تعتمل فيها نزوعات صاحبة وكثيفة.. منها الرغبة في التجريب والسؤال والاكتشاف والتحدي والقوة والاعتداد بالذات والعناد...الخ

الشاب كائن إنساني يطرق باب الحياة، ومن يواجهه بمنطق القانون الشكلاني البارد ويكتفي بإلقاء عبارة "المدرسة للعلم لا للتعبّد ولا للسياسة" في وجهه، فهو مجرد آلة إدارية حمقاء "شديدة الانضباط شديدة التفاهة" بعبارة نجيب محفوظ في رواية له نسيتها(!).

من واجب المدرسة، وهي مؤسسة تربية لا تعليم فقط، أن تحتضن التلميذ باعتباره مشروع إنسان متعدد الإمكانات لا مجرد وعاء لصب المعارف التقنيّة.

لذلك وجدت فكرة نوادي الموسيقى والمسرح والأدب والفكر (في الثمانينات كان عبارة عن منتدى سياسي مفتوح لمناقشة كل شيء).

الإنسان كائن ثريّ وغير متوقّع ومتغيّر، ويحتاج الحرية ليكون إنسانا. دون ذلك سيكون كائنا مريضا.

لذلك، مثقفونا وجامعيّونا الذين يستسهلون ترديد الحجة السلطوية البليدة، ليسوا إلا كائنات مريضة. وهو أمر مفهوم للأسف، فهم ليسوا إلا ثمارا فاسدة لتجربتيْ حكم تسلّطي قتلت الإنسان في أغلب التونسيين...

المدرسة مخبر إنساني كبير لصناعة الإنسان الحرّ…

ومن يصرّ على أنها مجرد مؤسسة لتلقّي العلم، وإن كان من ضمنه تعلّم التفكير النقدي..، فتبّا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات