بمناسبة جنازة الفاضل الجزيري
بالحق مانيش فاهم السرّ وراء انغلاق المخ التونسي، بكل نُسخه، أمام فكرة الحرية. ما انجمش نفهم شنوّة اللي يقلّقك أنت سي المتقلّق وقت تشوف نساء عاشوا مع الفاضل الجزيري ويحبوه يمشوا معاه ويوصّلوه لقبرو!
نعرف اللي أنت تربّيت في بيئة تمنع المرأة من المشاركة في الجنائز ومراسم الدفن، وتخصّها بدور النديب والتجوليح وتقطيع الحوايج والخدود.. آما حدّها حدّ الدار وأحوازها ما تفوتهمش.
ونعرف عندك كدس نصوص فقهية قديمة مخزّزة تجعل من طقوس الدفن امتياز رجالي خالص (شوف عاد هاك الامتياز!). آما راهو الحياة نهر طويييييل الماء متاعو يتبدّل باستمرار يا صاحبي. ونتصوّر ماهوش مكتوب علينا نكمّلوا حتى لعام خمسلاف ميلادي بنفس الأحكام متاع عام ككّح!
وبصراحة ما نظنّش كان نظام الكون باش ينهار بسبب حضور مجموعة مالنساء في جنازة صديقهم والا قريبهم والا عرفهم والا اللي هو!
آه تقلّي شبيهم لابسين هكّاك؟
وقتها نقلّك ما قالولكش البس كيفنا! نهار اللي يقولولك البس كيفنا وإلا راك خايب ورجعي وما تصلحش وقتها سبّلهم الراطسة متاع الفكرة متاعهم منين هبّت ودبّت.
تقلّي المقبرة مكان جماعي ومن حقك باش تحضر حتى أنت باش تحصّل الأجر وما يساعدكش تشوف "العراء"! نقلك ما تخافش الموتى بزايد وتوّ تلمّ الأجر لين تفدّ!
أي وزعمة الفيّة لخرى تؤمن بالحرية؟ هاهي تقول اللي هي حداثية وسليلة عقل الأنوار والفلسفة الحقوقية!
ديويو. للأسف الراطسة اللي تحب تشارك في الجنائز وتمشي للمقابر وتغنّي وترقص وترفع الشعارات هي بيدها ما تؤمنش بالحرية. وفي عمومها تسخر مالنساء اللي تلبس بطريقة تعتبرها التزام ديني. "الحداثيات والحداثيون" متاعنا في تونس، حتى كان ما يفصحوش على رأيهم الحقيقي، يعتبروا المختلفات عليهم رجعيات ويجب فرض "الحداثة" عليهن ومنعهن حتى بالقوة، المادية أو الرمزية، من طمس "أنوثتهنّ" تحت أسمال التخلف!
يعني التوانسة مكتوب علينا باش نعيشوا إلى الأبد وسط عركة سخيفة ووضيعة بين مرضى الوهم: مريض بوهم التدين يريد كل التونسيين صورة منه بدعوى الدفاع عن دين الأغلبية وعن هوية البلاد العربية المسلمة، ومريض وهم الحداثة الذي، إن استطاع، لا يتردد في استعمال أجهزة الدولة لفرض "دين الحداثة" على عموم الناس!
عن نفسي.. لا يزعجني أن تشيّع ميّتك وأنت ترتدي لباس البحر.. أو ما دونه. كان استدعيتني وكنت في جوّي انجّم نجي نعاونك ونردم معاك. وكان ما خطرليش ما على باليش بيك آش تعمل في الميت متاعك وفي روحك.
وتبا.
كليمة أخيرة
كليمة أخيرة حول القضيّة المصيرية والعظيمة والخطيرة والحساسة والاستراتيجية اللي يتوقّف عليها مصير الإسلام والمسلمين والهوية الحضارية النقية والشريفة للشعب التونسي الرهيب: دخول النساء للمقابر لمواكبة فعاليات دفن الموتى.. المعروفة اصطلاحا بالجنائز.
الخلاصة اللي خرجت بيها بعد قراءة بعض التدوينات وعشرات التعليقات على حيطي وعلى حيوط غيري:
الناس اللي تهبل وتهيج وتحسّ اللي الدين متاعها مهدد بالانهيار وعقيدتها وكل مقدساتها تمّ تدنيسها والاعتداء عليها.. على خاطر سبعة نساوين دخلوا للجبّانة باش يحضروا زنانزة متاع واحد يعزّ عليهم برشا ومحروقين عليه.. وزيد والعياذ بالله ها النساوين لابسين أبيض وزنودهم عرايا..،
الناس هاذوما بيدهم ما تتحرّكلهم حتى شعرة وقت مئات من البشر اللي عايشين معاهم، نساء ورجال وشيوخ وشباب وحتى أطفال، مطيّشين في السجون ظلما ويتمّ يوميا الدوس على كرامتهم وإهانتهم وحرمانهم من حريّتهم ومن إنسانيتهم
وعايلاتهم وصغارهم وأقاربهم يعانوا في المرّار كل يوم باش يزوروهم ويوفرولهم القليل من احتياجاتهم في ظل ما نعرفه من استحالة العيش الكريم على الجميع تقريبا!
الكتلة هاذي حاليا شايخين في الدنيا وما على بالهمش بالطقس. آما جرّب اجبد حكاية حضور النساء في المقابر.. ينڤزولك في وجهك يندبوهولك.
الناس هاذوما هم ببساطة عديمو عقل وفهم وهمّة وكرامة ومروءة وكل شي باهي. وهوما المادة الأولية اللي مصنوع منها التخلف متاعنا منذ قرون. وهوما العجينة الاستراتيجية اللي ضامنة استمرار التخلف متاع مجتمعاتنا لقرون أخرى. وهوما اللي يزوّدوا في الاستبداد بكميّة البهامة الضرورية باش يلقى جلاّدين مجرمين وصبّابة.
كتلة عمياء صماء لا تعني لها الحرية شيئا.
للتوضيح أنا لا أقصد بحديثي هذا الملتزمين سياسيا والمؤمنين "نظريا" بالحقوق والحريات. هؤلاء أبرك طرف.. لكنهم مسكونون للأسف ببنية تفكير مسقوفة بتصور ماضوي للدين يراوحون بينه وبين التزامهم السياسي.
وتوّ نجي للمهمّ:
بعض الأصدقاء يعتبروا الكتلة الكبّوط هاذي "شعبها" الذي يجب عدم مصادمته ومراعاة مستوى تطوّر بنيته الذهنية والنفسية ومرافقته بلين لأنه هو "المادة الضرورية للتغيير".
لهؤلاء الأصدقاء أقول: هذه الكتلة غير قابلة للتغيير..
إلا بمعجزة.
والمعجزات مشات مع سيدنا إبراهيم.. تبا.