ورود تونس أم عازفات الوزيرة؟ مغالطة جديدة في عيد المرأة

في أعقاب الكشف عن مشاركة فرقة "العازفات" في معرض "إكسبو أوساكا 2025" دون المرور عبر طلب عروض منشور، تفجّرت موجة من التساؤلات داخل الأوساط الثقافية والسياسية. النواب في المجلس طرحوا السؤال المحوري: كيف تم اختيار هذه الفرقة؟ وعلى أي أساس؟ ورغم أن الموضوع أسال حبر أقلام عديدة، فإن الإجابة الرسمية ظلت غائبة، أو بالأحرى مغالِطة.

عيد المرأة، مناسبة للاحتفال أم منصة للتضليل؟

في 13 أوت، تاريخ عيد المرأة التونسية، نشرت وزارة الشؤون الثقافية صورة لفرقة موسيقية تؤثث احتفالات تونس في أوساكا، تحت اسم جديد: "ورود تونس". اسم لم نسمع به من قبل، ولم يُعلن عنه في أي مناسبة رسمية أو فنية. لكن الوجوه كانت مألوفة، بل معروفة: بية بوحامد، منال خميري، زينة بوعلي، جيهان داود، نسرين فراي، رباب التريكي، دنيا كعباش هؤلاء هنّ، وبلا شك، أعضاء فرقة "العازفات" التي تقودها الوزيرة منذ سنوات.


…

من "العازفات" إلى "ورود تونس": تغيير الاسم لا يغيّر الحقيقة

هل يكفي تغيير الاسم لتغيير الواقع؟ هل يُعقل أن يتم تقديم نفس الفرقة، بقيادة نفس الشخص، تحت تسمية جديدة وكأنها فرقة مستقلة؟ وهل يُعقل أن يتم ذلك في مناسبة وطنية تُفترض أن تكون تكريماً للمرأة التونسية، لا استغلالاً لرمزيتها لتبييض قرارات مشبوهة؟

تحليل قانوني: غياب طلب العروض... إخلال بمبدأ الشفافية والمساواة

وفقًا للمرسوم عدد 103 لسنة 2021 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية في تونس، تُعدّ دعوة العروض آلية أساسية لضمان الشفافية، تكافؤ الفرص، والمنافسة النزيهة بين الفاعلين الثقافيين. ويُشترط في كل تمويل أو اختيار يتعلق بمشاركة فنية ممولة من المال العام أن يخضع لإجراءات واضحة، تبدأ بنشر طلب عروض وتحديد معايير الاختيار، وتنتهي بإعلان النتائج وتبريرها.


…

غياب طلب العروض في اختيار فرقة "العازفات" لمعرض "إكسبو أوساكا 2025" يُعدّ إخلالًا صريحًا بهذه المبادئ، ويطرح شبهة تضارب مصالح، خاصة أن الفرقة يقودها أحد أعضاء الحكومة، وهي وزيرة الشؤون الثقافية نفسها. هذا الوضع يضع الوزارة في موقع الخصم والحكم، ويقوّض الثقة في مؤسسات الدولة، ويُقصي فنانين وفنانات آخرين من فرصة التمثيل الدولي لتونس.

كما أن إعادة تقديم نفس الفرقة تحت اسم جديد ("ورود تونس") لا يُغيّر من جوهر الإشكال القانوني، بل يُعمّق الشبهة، ويُظهر محاولة التفاف على المساءلة بدلًا من تصحيح المسار. وفي تعليق لأحد الخبراء القانونيين، اعتُبر هذا السلوك "انحرافًا بالإجراءات يفتح الباب أمام الطعن والمساءلة، ويُعدّ نموذجًا لتضارب المصالح الذي يجب أن يُواجه بالرقابة البرلمانية والقضائية".


…

استخفاف بالعقول أم سياسة ممنهجة؟

ما حدث لا يمكن اعتباره مجرد خطأ في التسمية أو سوء تقدير. بل هو استمرار لنهج التعتيم والتضليل، حيث يتم تقديم نفس الوجوه في ثوب جديد، وكأن التونسيين لا يعرفون أسماء فناناتهم ولا يتابعون المشهد الثقافي. فهل بلغ الاستخفاف بالتونسيين هذا الحد؟ وهل أصبحت المناسبات الوطنية منصات لتجميل قرارات غير شفافة؟

ما نراه اليوم هو محاولة لإعادة تدوير نفس الفرقة تحت اسم جديد، في محاولة لتجاوز الجدل الذي أثاره التحقيق الأول. لكن الحقيقة لا تُغطّى بوردة. والشفافية لا تُستبدل بتسمية شاعرية. المطلوب اليوم ليس فقط كشف المغالطة، بل مساءلة من يقف وراءها، ومحاسبة من يصرّ على تحويل الثقافة إلى مجال مغلق، لا يخضع للمساءلة ولا للعدالة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات