منظومة العهد السعيد لا تحب الإعلام الوطني. رئيس الدولة يستعمل الفيسبوك كوسيلة تواصل رسمية (!) و لا يرضى بمخاطبة الشعب عبر وسائل الإعلام الوطنية لا العمومية و لا الخاصة و كذلك حكوماته المتعاقبة. قليلة جدا البلدان التي لا يعرف فيها الشعب صوت رؤساء حكومته المتعاقبين و لا صوت وزراءه.
نزل سوط الذل على الإعلام العمومي المرئي ثم المسموع الذي لم يتعود أن يكون "صوتنا الذي حررناه" و إنقلب بسرعة إلى ما تعوّد عليه (مع إستثناءات قليلة) ليصبح "صوتكم الذي حرّمناه".
ثم طال سوط الذل الإعلام المرئي الخاص ثم تبعه شيئا فشيئا الإعلام المسموع و إنحسرت فضاءات التعبير الحر و الرأي الحر إلى ما اصبحنا عليه اليوم : إنعدام التعددية في منظومة الإعلام و التي تميزت في مناخ الإستبداد بالخضوع و الخنوع و الصنصرة الذاتية.
هل هذا إعلام وطني ؟ نخادع أنفسنا إذا قلنا نعم. هذه الإعلام هو رواسب منظومة بن علي و لم يكن للأحزاب الحاكمة بعد الثورة بإستثناء لجنة بن عاشور نية أو مشروع لإعلام وطني يعبر عن مشاغل المواطنين و يعطي الكلمة لمختلف المدارس الفكرية في البلاد حكما و معارضة.
بإستثناء المراسيم 115 و 116 لم تستطع نخب البلاد مراجعة المنظومة الإعلامية و المرور من شركات و إدارات موظفين إلى مؤسسات إعلامية حقيقية مما جعل المنظومة تساهم بقدر محترم في إغتيال الإنتقال الديمقراطي و لا تزال
القول إن الإستبداد هو السبب الرئيسي لهذا الوضع مجانب للحقيقة .. لأنه ليس السبب الوحيد ..فهشاشة الشركات الإعلامية (و التي لم تتحول إلى مؤسسات إعلامية) و هشاشة الإدارات العمومية للإعلام (و التي لم تتحول بدورها إلى مؤسسات) سمحا بإستباحة القطاع و تهميشه و حتى ترذيله و فتح مصراعيه للانتهازيين و المتسلقين و العابثين.
إنها قضية وطن و قضية مواطنة :
هل لدينا شعب لا يرضى بالحرية و لا يريدها و لا يدافع على حرية التعبير و لا يريد إعلاما حرا.. أهذا هو الشعب الذي يريد الحياة و يجعل القدر يستجيب له ؟ هل هو هذا الشعب الذي يريد كسر أغلال الظلم في نشيده الذي يردده يوميا ؟ أهذا هو الشعب الذي إستمع كل العالم لرسالته من أجل الحرية ذات يوم و ردد صداها في أكثر من بلد و موقع ؟
أم نحن أجيال نستحق ما نحن عليه اليوم ؟