استمرّ يا أنس استمرّ ، أنت صوتنا!

يضغط انس الشريف بأصابعه على عينية في محاولة لتهدئة نفسه والتمالك بجسد أهلكه الجوع والقهر والعجز..ويعود لإكمال مراسلته التلفزيونية التي قطعها لأنه لم يعد يستطع حتى الوقوف..

يستمر انس في تغطية مأساة شعب لم يشهد التاريخ لها مثيلا .. حتى في أكثر عصور توحّش البشرية. بقوّة خائرة.. وجسد مرهق.. وصوت مشروخ لم نعد نميّز صاحبه يستمرّ انس.. كأحد أبطال الملاحم القديمة يستمرّ في إيصال صوت المظلومين الي كل عالم..

انس الذي عاش الأهوال وهو في منتصف العشرينات، اصبح كهلا فجأة، تغيّرت ملامحه، صوته، انطفأت تلك اللمعة التي كانت في عينه.. على وجهه ترى تعابير أعمق بكثير من الحزن، انه القهر عندما يأكل القلوب فيذيبها تماما..

أنس عاش وعايش كل الفظاعات.. كل الجرائم.. رأي الموت يحدّق فيه بشكل مباشر أكثر من مرة.. أمضى ساعات وساعات دون نوم.. الف مرة كان بينه قنبلة ما او رصاصة مسافة صرخة حياة من قلب العدم ..

حمل نعوش والده وأصدقائه المقربين وأغلب من يحب..

زحف على الأرض باحثا عن وجوه يعرفها بين الركام وجبال الجثث..

ليس هناك ألما في هذه الحياة إلا وجرّبه أنس الشريف..

وفي كل ذلك لم ينهر.. كالجبل ظلّ ثابتا.. كان دائما عنيدا كجباليا حيث وُلد وانتمى.. لم ينهر جبل جباليا.. ولكن اليوم رأيت أنس وهو يقاوم بأخر ذرّة طاقة في جسده حتى لا ينهار أمام الكاميرا.. في الحرب حمل نعش صديقه إسماعيل الغول وواصل التغطية دون أن ينهار..

لكن اليوم يقاوم أنس بأخر نفس، بأخر ذرة في كبرياء من يقاوم، بجسد منهك تماما بسبب التجويع المريع يقاوم حتى لا ينهار.. الجوع يجعل جسدك ينهار، عقلك ينهار، إحساسك ينهار..

لكنهم يطلبون منك أن تستمرّ يا أنس.. من خلفك يهتف المجوّعون من ساحة مستشفى الشفاء.. استمر يا أنس فأنت صوتنا.. وكأن استمرارك هو أملهم الأخير ليس في الحياة فقد انعدمت تماما.. ولكن في توثيق الجريمة الكاملة.. جريمة هذا العالم فيكم..

انتم "الضحية التي جُرّبت فيها كل أنواع القتل" ولم تمت.. يقتلها الجوع اليوم ولم تحدث أي معجزة.. لم يرأف العالم.. لم يشعر الإخوة بالعار.. لم تتدخل السماء .. فقط انس الشريف مستمرّ في التغطية!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات