في اعتقادي علينا أن نتوقف عن الفهم والتحليل اعتمادا على مقولة التطبيع. كان مفهوم التطبيع صالحا من 1967 الي حين إخراج العراق وسوريا من المعادلة. ضرب حزب الله وتمزيق غزة بدون ان تُبدي الجثة العربية أي حركة اغرى " إسرائيل" بان تتخلى عن مطلب التطبيع. وقوف الإدارة الأمريكية وصمت العالم على العربدة الصهيونية دفع الي التخلي التام والنهائي عن التطبيع.
ماذا يعني ذلك؟ التطبيع منذ معاهدة مخيم داود يقوم على مبدأ سوف تصوغه الأمم المتحدة سنة 1991 كما يلي " الأرض مقابل السلام"، أي تخلي " إسرائيل عن الأرض التي احتلتها من مصر/ الأردن/ سوريا/ لبنان/ ما تبقى من فلسطين مقابل الاعتراف بحقها في الوجود وإقامة علاقات طبيعية معها.
كان ذلك في توازنات ومناخات لم تعد موجودة. اليوم لم يعد هذا المبدأ في صالح " إسرائيل" : أولا ليس في يد العرب أي شي يهددون به أو يفاوضون: لا قوة عسكرية ولا تحالف قوي ولا نووي ولا ضغط اقتصادي أو ديبلوماسي. ثانيا: التطبيع مع ضعفاء يتماوتون سيكون غباء سياسيا لأنه يحرم " إسرائيل" من البروز كقوة إقليمية تفرض شروطها بالقوة وبدون مقابل. ثالثا: الأرض مقابل السلام يعني قبول " إسرائيل" بجغرافيتها الحالية وهذا يتنافى مع " إسرائيل الكبرى".
إن قبول " المبادرة العربية" بالأرض مقابل السلام لم تقبله " إسرائيل" منذ 2000 ، لذلك سيحل الاستسلام غير المشروط محل التطبيع. قد يُحافظُ على اللفظ لوصف مشاريع الاستسلام اللاحقة ولكنها في جوهرها استسلام بلا مقابل.
إن استماتة الولايات المتحدة مع " إسرائيل" رغم ما تمارسه من إبادة وضرب ايران بتلك المشهدية وضرب دمشق هي رسائل للعرب" استسلموا نهائيا ولا تطالبوا بشيء. عواصمكم مكشوفة وعروشكم خاوية وجيوشكم ضعيفة. استسلموا للقوة الوحيدة في المنطقة ودعوها تفعل ما تشاء: تتمدد فيكم وتغير الخرائط وتغير حكومات وأنظمة" ليس هناك أي شك أن الضربات القادمة لتركيا ثم مصر والسعودية والجزائر".
بذلك يكون النظام الرسمي العربي الذي هندسته بريطانيا وفرنسا قد ادرك نهايته وبدا العصر " الإسرائيلي": لقد سحق هذا النظام أي إمكانية للمقاومة خوفا على نفسه من الشعوب فاضعف نفسه حتى اصبح عاريا أمام " إسرائيل".