الرياح الشرشية البرانية وفُلك فتى الأحوال الجوية

وفي السنة الرابعة بالتقويم المعتبر عند الزقافنة دعا المجلس الموكّل بالرجوع إلى العامة فيما يصلح أمور معاشها ومعادها ( وهو المسمى عند ساكنة بلا النمط "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات") الى انتخابات جزئية في محلّة بنزرت من الإيالة التونسية. فقد جرت العوائد المرعيّة على أن تشرف تلك الهيئة غير المجرّح في عدالة أهلها على "الانتخاب" كلما اختل في مجالس أهل الحل والعقد النصاب، شريطةَ أن يكون المتنافسون على خدمة العامة من الصادقين المختارين على أعين "الوظيفة التنفيذية".

وقد أجمع أنصار تصحيح المسار - إلا من شذ منهم في الموالاة النقدية وهي التي يسمبها المحققون" مخانيث المسار" قياسا على المعتزلة والخوارج - على أن الوظيفة التنفيذية هي سنام الوظائف في الدولة. ولما انخرم النصاب في مجلس النواب فقد دعت الهيئة إلى انتخابات جزئية تداعى إليها الصادقون في محلة بنزرت من كل حدب وصوب. وكان أشهر هؤلاء رجل يسمى محرز الغنوشي، وقد كان فيما انقضى من عمره المبارك من الذين برعوا في الأرصاد الجوية وفي الطعن على أعداء النمط من "الخوانجية". وكان له أيضا نصيب من التفكه والظرف، وان رآه البعض استظرافا باردا مثل أحوال الطقس على شواطئ بنزرت شتاءً. قال الراوي: ولمّا ظهر أمره وعلا كعبة في "الصادقين" تشوّفت نفسه إلى خدمة أهل بلدته في مجلس النواب. فترشح وأعد للأمر عدّته وهو يرى الفوز أقرب اليه من قرب " كورديالمون" إلى خواتم تدويناته. وكانت هيئة الانتخابات قد اشترطت على من نازعتهم أنفسهم لخدمة الناس في مجلس النواب أن يأتوها بأربعمائة تزكية من الناخبين والناخبات - بشروط ليس هذا موضع بسطها- على ألا تنقص من تلك التزكيات تزكية واحدة وألا يدخلها شك من جهة التدليس أو الرشوة والا صارت عند الهيئة في حكم المعدوم.

قال الراوي: ورغم حرمان الخلق من استطلاعات الزرقوني التي لا يعلى عليها في الدقة والأمانة وطلب الحق، كان محرز الغنوشي عند الخاصة والعامة في حكم المنتصر بلا ريب دون ادعاء معرفة الغيب. حتى زعم بعضهم - بلا دليل قاطع- أنه مرشح النظام، وهي دعوى لا يمكن ردها ولا قبولها لاستواء الأدلة فيها وغلبة الظن عليها. وقد قيل إن الغنوشي قد أعدّ ختما فيه صفة النائب، وقال آخرون إنه قد صنع خاتما ونقش عليه:" ننتصر أو ننتصر" وهو خبر لا نأخذ به ولا نؤاخذ من عمل على نشره بين العامة. ولمّا جاء يوم كشف الغطاء( أي غطاء صندوق الاقتراع) بهت الناس حين لم يجدوا الأخ - الرفيق الغنوشي حيث ينبغي أن يكون صادق مثله، أي في أعلى القائمة بمرتبة الشرف الأولى على حد قول إخوتنا في بلاد الكنانة. فقد جاءت النتائح بما لم يحتسب، وكان عاقبة أمره أن اختاره من قومه "صادقون" لم تبلغ عدتهم عدّة من زكّوه على علم بوطنيته التي لا يجادل فيها الا سكّير او عميل أو جاهل أو مدخول النية قبيح الفعل.

قال الراوي: وقد ذكر غير واحد من الثقات أن "الغنوشي" ابتسم حين اطلع عيانا على النتائج، ويقال إنه سرعان ما أجهش بالبكاء ورفع رأسه إلى السماء وقال: "هذا ما جناه علي لقبي وما جنيت على أحد". وقد اختلف أهل التأويل في معنى كلامه فمنهم من قال إنه قد عنى بذلك لعنة لقبه وأثرها اللاواعي في خيارات الناخبين، ومنهم من قال إنه كلام مردود إلى الشعور بالذنب لما تقدم من شماتته في الشيخ السجين، وقال آخرون إنه يعرّض ب"الخوانجية" الذين عملوا من وراء ستار على إفشاله، وقال أمثل أهل التأويل طريقةً إن كلامه محمول على الشطح أو على غلبه الحال وحكم الوقت، فلا تأويل له الا عند أرباب الأحوال، خاصة من رسخ منهم في الطريقة الوطدية.

قال الراوي: وقد بلغني ممن لا أتهم أن الأخ الرفيق محرز الغنوشي قد بات ليلته تلك دامع العين، شارد الذهن لا يرد على من خاطبه ولو بخطاب المشفق، ويقال إنه لم يُسمع له بعد انكساره إلا قوله "هذا ما جناه عليّ الغنوشي وما جنيت على أحد" حتى خاف عليه أصحابه ذهاب عقله وفساد حاله بعد ما تقدم من صلاحه على مذهب تصحيح المسار. وقد شذ أحد الرواة فقال: لقد توهم الراوة فيما أخبروا به وجانبوا الحق ، فقد كان الأخ الرفيق محرز ثابت الجنان صابرا على ما جرى به الحدثان، وآية ذلك أنه هنّأ من فاز من الصادقين ولم يتزحزح مقدار شعرة عن صراط الوطنيين...ومازال يكتب وكأن غيره المهزوم أو كأن حظه السياسي يجري الى ميقات يوم معلوم. قال الراوي: وما أظن ذلك الميقات إلا أنه قد وطّن نفسه على الترشح في الانتخابات القادمة وأيقن بالنجاح فيها ولو كره الفاسدون ، فمن كان مثل محرز في علمه وأخلاقه وصدقه فإن له من اسمه نصيب ، وسيكون سيد بنزرت وسلطانها ولو بعد حين ، كما كان محرز بن خلف سيد المدينة وسلطانها في الأولين...والحمد لله رب العالمين.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات