إيران والعرب والقضية الفلسطينية

يبدو لي أن ثمة خطأ منهجيا يقع فيه بعض المتعاطفين العرب مع إيران. يتمثل هذا الخطأ في الخلط بين أمرين يُنسبان إليها:

- العداء الحقيقي للكيان الصهيوني.

- تبني القضية الفلسطينية على نحو ما نتبناها نحن العرب المتحمسون لها.

فالأمر الأول صحيح بالكامل.

أما الأمر الثاني فليس صحيحا بالكامل ويحتاج إلى تدقيق وتمييز.

وما يوهم بتساوي القضيتين هو مساندة إيران للمقاومة الفلسطينية قولا وفعلا.

وما يزيد الأمر تخليطا هو توهم التماهي الكامل إزاء القضية الفلسطينية بين عموم الشيعة دون تفريق بين شيعة فرس وشيعة عرب.

إن دعم إيران للمقاومة الفلسطينية يمكن أن يكون دعما ل"عدو عدوي" أما دعمها للمقاومة اللبنانية واليمنية فهو استخدام لأذرع لها في المنطقة العربية لتجسيد الأمر الأول وهو عداؤها الحقيقي للكيان.

بينما ما تمارسه المقاومة اللبنانية واليمنية ليس مطابقا تماما في روحه لتصور الإيرانيين لطبيعة المعركة رغم الولاء المذهبي لهذين المقاومتين. فإلى جانب هذا الولاء هنالك الولاء للعروبة وهنالك الشعور القومي وتساوي العروبة والإسلام في المنطقة العربية. حتى المسيحيين العرب المعادين للكيان يعتبرون أنفسهم جزءا من الأمة الإسلامية والحضارة الإسلامية.

إليكم بعض المؤشرات/ المؤيدات لهذا الفهم الحاصل لدينا من قبل الأحداث الأخيرة في المنطقة:

- عبّر مسؤولون إيرانيون عن انزعاجهم بُعيْد انطلاق طوفان الأقصى من عدم تنسيق المقاومة الفلسطينية معهم، وليس ذلك من باب الأسف على الإخلال ببعض شروط الفعالية في الحرب ضد الكيان، بل لأنهم كانوا على وشك عقد صفقة مع الأمريكان بخصوص الملف النووي، فجاء طوفان الأقصى وأفسد عليهم هذه الغاية.

ففي هذا الإطار، أكد العضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، غلام علي حداد عادل، أن إيران رفضت المشاركة في حرب غزة لتجنب الحرب مع الولايات المتحدة. واعتبر حداد أن إسرائيل كانت تأمل أن تتورط إيران في حرب غزة لتدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة. كما أشاد وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، بموقف المرشد الإيراني علي خامنئي، بالامتناع عن الدخول في الحرب بجانب حماس، واصفًا ذلك بالموقف “الذكي”. وأضاف ظريف: “دعمنا للمقاومة الفلسطينية، لا يشمل الحرب بجانبهم”.

- بقي الشهيد حسن/ نصر/ الله لأشهر وهو ينتظر أن تأذن له إيران برفع مستوى المواجهة مع الكيان وفي الأخير دفعهم إلى ذلك دفعا (الولاء المزدوج للعروبة وللمذهب والتماهي بين العروبة والإسلام والجهاد من أجل الأقصى لديه).

- تأكيد المسؤول السياسي لأنصار الله الحوثيين اليوم على ضرورة ربط اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران والكيان باتفاق مماثل بخصوص غزة. أي استثمار الأداء الإيراني لصالح غزة لا لصالح النظام الإيراني فقط.

- عدم ذكر غزة ولو مرة واحدة على ألسنة كل المسؤولين الإيرانيين طوال الاثني عشرة يوما من المواجهة مع الكيان.

الخلاصة: إيران تعادي حقا إسرائيل ولها في ذلك خلفية دينية بصبغة قومية إمبراطورية. وهي تريد أن تكون القائدة للمقاومة العربية الإسلامية (المثال الواضح هو حركة الجهاد الإسلامي، التي رغم سنيتها فإنها تخضع بالكامل في خطها السياسي لإيران) بما يخدم أهدافها القومية.

تضامننا مع إيران وتحمسنا لحربها مع الكيان أمر واجب علينا بالمنطق الديني والواقعي السياسي ولكنه ليس لظنٍّ منا بأن مشروعنا القومي الوطني هو عين المشروع الوطني القومي الإيراني، بل فقط لأن المشروعين يتقاطعان عند القضية الفلسطينية. ولذا لا يكون تضامننا الشعوري مع إيران في حربها ضد الكيان هو بمثابة الشعور بكونها تتبنى مشروعنا الوطني في التحرر والقيام الحضاري كما نفكر به ونحلم به نحن العرب. ولا نطلب من إيران أن تفكر وتحلم بالقوة والسيادة مكاننا ولحسابنا. إيران يمكن أن تكون حليفا استراتيجيا لنا ولكن لا يمكن أن تكون قائدة لنا. وما تمارسه المقاومة الإسلامية في غزة هو هذا بالضبط.

نصرها الله وأظهرها على عدوها.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات