ما هذه الهشاشة؟

الكذبة الشعبوية السخيفة المنتشرة: "انطلاق بيع الخروف الروماني بأسعار بين 375 و570 دينار"، تورطت فيها مواقع الكترونية تعتبر نفسها "محترفة" بعنوان مظلل لمجرد الاحتطاب الإخباري خارج أية مساءلة مهنية أو قانونية. هذا الصباح، امرأة محترمة ومتقدمة في السن، نشرت هنا فيديو عن انقلاب قطار في مساكن، أخذ مني ساعة من البحث، الفيديو يعود إلى 2023،


…

ثمة "كرنوك" في مؤسسة تونسية شهيرة أقام الدنيا وأقعدها على تصريح ينسبه لرئيس سوريا يقول فيه إنه على استعداد للاتفاق مع الكيان الصهيوني ويتحدى الجماعة في تونس لتكذيبه، ثم بدأ يزيد "الماء والطين يا بوزنزل"، منين المصدر؟ لم يقل، اشتغلنا، نحن عدة زملاء في تونس وسوريا على الموضوع فلم نعثر سوى على تصريح شخص صهيوني في أمريكا هويته مشبوهة أصلا، يقول فيه: "لدى سوريا وإسرائيل أعداء مشتركون ويمكنهما تأدية دور في الأمن الإقليمي" وهو المصدر الوحيد الذي اشتغل عليه أناس متهافتون لا يهتمون أبدا بالأمانة لخلق تلك الحكاية وتصديرها، ليذهب رئيس سوريا وغيرها إلى حيث يريد، لكن اخرج من الحكاية، ما دخلك في الصحافة وترويج الأخبار الزائفة؟

كثيرون "حلوا فينا فترية" بنشر أخبار زائفة أو قديمة على أنها جديدة، تكلمه لكي تسأله، يقول لك ببساطة صادمة لنا كصحفيين: "لقيته في الانترنيت، تقاسمته"، أحدهم عنده موقع، درس ليسانس تسويق ونصب نفسه رئيس تحرير بعد عام واحد، آخر عنده إذاعة مرة جمعياتية ومرة خاصة هو والتمويل، كلمته حول خبر زائف نشره فسبني أنا والصحافة والأخلاق الحميدة، نحن مجتمع في أزمة حادة يصدق ما يريد وليس ما حدث، وهذا هو الفارق الموجع بين الصحفي والمواطن العادي، تماما مثل الذي يصف فقوس حمير لعلاج الجلطة بدل نصحك بالذهاب إلى الطبيب، ثم يخسر عليك عبارة "ياخي أنا فرضت عليك؟ أنت حر"، المشكل أني وثقت بك بدل اللجوء إلى المحترفين،

قبل ظهور فايسبوك، كنا نحن الصحفيون المحترفون سادة الخبر، ورثة "الستامبا" (La stampa) الصحيفة المطبوعة بالماكينة في تونس عندما كان الإيطاليون سادة الطباعة والنشر في المستعمرة التونسية، كل ما هو مطبوع مقدس ثم رسمي، لأن النشر يتم في اتجاه واحد، فكل ما ينشر يتعرض للتدقيق والبحث ويخضع لوسائل تطورت مع الزمن إلى درجة عالية من الموثوقية تقارن بتقاليد الطب والهندسة، وهي علوم تتفق عليها كل مدارس الصحافة من اليابان إلى الإكوادور مرورا ببنغلاديش،

قضيت أعواما من حياتي المهنية لا أتمتع بالنوم خوفا من الملاحقة من أجل خبر غير دقيق أو أن يدس لي أحدهم حتى دون قصد خبرا زائفا، لكن ذلك شحذ مواهبي في تبين الكذب وفي تجنب الشبهات من باب الاحتياط وفي اختراع التوصيف المهني الذي يفرض مسافة من الموضوع،

عندنا مصادر رسمية نتثبت منها، عندنا منطق في الأشياء وثقافة واسعة ومختصة نراجعها، عندما ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي، انتحل الجميع حرفة الصحفي الذي لا يصبح صحفيا في الأصل بمجرد الدراسة ولا بالممارسة دون المرور بمراحل التدريب الطويلة من ملحق بالتحرير إلى محرر متربص إلى محرر إلى صحفي، لأن الصحافة مهنة تتطلب الكثير من العلوم التطبيقية، لا يصبح فيها الصحفي رئيس تحرير إلا بعد 17 عاما من العمل المستمر دون عقوبات من أجل نشر أخبار زائفة أو الثلب،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات