لماذا يكون "الحبس"، الأسود البهيم كما وصفوه زمن الحجاج بن يوسف هو الرد الوحيد على مجموعة شباب من قابس خرجوا للتظاهر والتعبير السلمي ضد التلوث في جهتهم، عندهم حجج من الدولة نفسها على الضرر الناتج عن خيارات عمومية اتخذها بشر قبل أكثر من نصف قرن وآن الأوان لمراجعتها، ثم هؤلاء الشباب، على حد علمي لم يطالبوا بإغلاق مؤسسات الكيمياء، بل نقلها إلى مكان أقل ضررا للطبيعة، لم يقترفوا عملا ماديا يضر بالنظام العام أو سلامة أمن الدولة العزيز عليكم أكثر من صحة الناس،
من أدرك قابس بداية السبعينات: كانت أكثر جاذبية من الحمامات أو جربة، فيها شاطئ جميل و"الواحة البحرية" الوحيدة في العالم، فيها محضنة بحرية لأفضل أسماك المتوسط، الواحة أيضا هي شنني الخيالية لجمالها وغنوش التي تجمع بين النخيل والخضر والغلال،
الآن هي "تتفغم"، تسلم الروح تحت تأثير سحب الأدخنة ورياح الباخرة ثم نهب المائدة المائية الحلوة من جهة وتلويث البحر بالفوسفوجيبس الذي حوّل حوض بحر قابس إلى صحراء بحرية، عندما تعرفها، لا يمكن إلا أن تناضل لأجل استعادتها، فهي لا تقدر بثمن، ماليا وإنسانيا،
لكن ثمة سؤال شرعي: ماذا ربحت قابس وتونس منذ إحداث المجمع الكيميائي بقابس 1972 وماذا خسرت؟ بعد أكثر من نصف قرن، آن الأوان لمراجعة تلك الخيارات وإنقاذ ما أمكن إنقاذه، ماذا لو استجبنا للشاب المناضل من أجل النقاش في الفضاء العام ومن أجل نقل مصانع الكيمياء خارج المدينة وخارج منطقة الواحات، وماذا لو أطلقنا مناظرة لطلبة الهندسة لإيجاد حلول لفواضل معالجة الفسفاط بدل الحبس؟
وحين تضع هؤلاء الشباب التونسي في الحبس، هل تعتقد أنك أنهيت موضوع التلوث والموت بالأمراض المضنية وموت الطبيعة؟