الهنود يُبعدون آلهتهم عن مرمى الأسلحة الباكستانيّة خوفا عليها من الأذى!

إنّه لأمرٌ مضحك شديدَ الضّحك يأتيه بشرٌ ذهبوا في علوم الدّنيا أشواطا مشهودة من المفترض أن تعينهم حكومةً وشعبا ونُخَبا على مراجعة طقوسهم الغريبة التي تعيدنا معشرَ العرب إلى الجاهليّة وأصنامها.

فالمنطق يتّجه إلى كون الآلهة تدفع عن عبَدَتها كلّ سوء وتحميهم من كلّ شرّ، لا أن يحميَها عُبّادُها بنقلها من مكان إلى آخر. إنّه منطق أستغرب كيف يغيب عمّن ذهبوا بعيدا في العلم والمعرفة والتّصنيع المتطوّر.

منذ نعومة أظافري أسمع في محيطي الاجتماعيّ مثلا شعبيّا يعبّر عمّا يلقاه هذا أو ذاك من النّاس من منزلة وعناية وتوقير من لدُن الآخرين يقول نصُّه: "فْلانْ خيرْ مِنْ بَڨْرة في الهِنْدْ". ما هو حاصلٌ في هذا البلد المؤيّد بقوّة جبّارة لمجازر الغزّاويّين المدنيّين العُزّل التي تمارسها "إسرائيل" ومُعيناتُها من بلدان الشّرّ والغطرسة والأذى على مرأى ومسمع من الإنسانيّة العوراء (لا أقول العمياء لأنّ طوفان الأقصى المبارك قد أيقظ الهِهم والضّمائر في أصقاع بعيدة من عالمٍ كان يُري ما يراد له أن يُرى بفعل الأيادي الطًولى للصّهيونيّة المتغلغلة منذ قرون بقوّة المال والسّلطة والإعلام في كبريات العواصم وأشدّها تأثيرا...).

بمناسبة الحديث عن البقرة وقفتُ منذ أيّام قليلة عبر الوسائط الالكترونيّة على حركة مضحكة مبكية هي وضع بول البقر الذي يشربه الهنود تبرّكا على بقعة أرض أدّت فيها امرأتان مسلمتان واحدةً من صلواتهما "لتطهيرها"!

إنّه انقلابٌ عجيبُ في الفهم والممارسة (من وجهة نظري طبعا). كيف لهذه المادّة أن تكون مطهّرا؟ وماذا تطهّر؟ وأيُّ سلوك مقزِّز هذا الذي يمارسه الهندوسُ في هذه البقعة من أرض الله التي لوحظ فيها تزايدُ العنف الموجّه إلى المسلمين تفاعلا مع حرب غزّة وخلال الأزمة الحديثة الحاصلة مع الجارة باكستان التي تندّر كثيرون بإمكانيّة حماية نفسها من أسلحة الهند الإسرائيليّة والإيرانيّة والإماراتيّة وغيرها بمجرّد وضع مجموعة من البقر على الحدود، فالهنود لا يؤذون آلهتَهم المتحرّكة هذه !

رضي الله عن الخليفة الرّاشد عمر بن الخطّاب الذي كان في جاهليّته فتًى يصنع إلاهه من التّمر ثمّ متى اشتدّ به الجوع، وهو يرعى الإبل نهارا، يأكله. ورضي عن تساؤله النّابع من فكر متيقّظ قبل ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة: أيُّ إلاه هذا الذي أصنعه ليلا ثمّ آكلُه نهارًا ؟ تساؤلٌ جعله يكفّ عن عبادته المنحرفة ويلتحق بالرّسول الأكرم إلى المدينة ليُسلم ويشدّ عضُد صاحب الرّسالة السّماويّة الجامعة المانعة بما أوتيَ من بسْطة في الجسم كان لا بدّ منها حينئذ لنجاح هذا الشَّدّ والمعاضدة…

قد يقول قائل: لكلّ شعب من دهره ما تعوّدَ. وله ذلك طبعا، لكنّني أقول له:

كان لأبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه صنمٌ فجاء يوما فوجد الثّعلب قد بال على رأس هذا الصّنم فاحتقره واعتنق الإسلام ونظَم هذه الأبيات:

أرَبٌّ يبول الثّعلبانُ برأســـه؟!

لقد ذَلّ من بالتْ عليه الثّعالبُ

فلو كان ربًّا كان يمنع نفسَه

فلا خير في من نأتْه المطالبُ

برئتُ من الأصنام يا ربّ كلّها

وآمنتُ بالله الذي هو غالبُ.

وما دمنا نخوض في أمر البقر الحيوانيّ والبشريّ من المفيد أن أشير إلى زيارة سفير ترامب المفاجئة رفقة زوجته لمستوطنة "شيلو" الواقعة شمال شرق مدينة رام الله في الضّفّة الغربية المحتلّة التي هي أوّل زيارة رسميّة من نوعها لسفير أمريكي لأراضٍ محتلّة، في مخالفة وقحة للموقف الأمريكي التّقليديّ الذي كان يتجنّب الاعتراف بشرعيّة الاستيطان في الضفّة الغربيّة.

دعك من الزّيارة في عمومها واذهب معي إلى زيارة هذا السّفير لمزرعة تحتوي على خمس بقرات حُمْر تعتبرها جماعات "الهيكل" اليهوديّة المتطرّفة، مؤشّرًا إلهيًّا على اقتراب بناء الهيكل الثّالث مكان المسجد الأقصى المبارك.

تستند هذه الجماعات في معتقداتها إلى شروح تلموديّة تعتبر أن ظهور بقرات حُمْر "كاملة المواصفات" في أرض فلسطين، يُعدّ شرطًا ضروريًّا للقيام بطقوس "تطهير الشّعب اليهوديّ"، تمهيدًا لما يزعمون أنّه "الصّعود إلى بيت الرّبّ"، في إشارة صريحة إلى المسجد الأقصى.

ترى تلك المعتقدات أنّ البقرة يجب أن تكون خالية الحمرة، دون أيّ شعرة ذات لون مختلف، وألّا تكون قد استُخدمت لأيّ عمل أو حملت حبلًا على رقبتها، وأن تكون قد رُبّيت في أرض إسرائيل. وبعد بلوغها العاميْن، تُذبح فوق جبل الزّيتون مقابل المسجد الأقصى، ثم تُحرق وفق شعائر معيَّنة ويُستخدَم رمادها في تطهير الشّعب، وفق زعم الجماعات الاستيطانيّة البائسة.

"شرُّ البليّة ما يُضحكُ" يا سادتي !

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات