هذه بلاد فاقدة للصواب

هذه بلاد فاقدة للصواب. فلا الدّولة تمتلك العقل الكافي لتتحرّر من قبضة العائلات والكارتيلات المتحكّمة، ومن غباء الشّعبويّة المتمدّد، ولا النخبة، مع استثناءات قليلة محترمة ومشرّفة، تملك من الصّواب ما يتيح لها التحرّر من عداواتها القديمة المتجدّدة، والتي تنتعش في كل مناسبة لتحيي تاريخ الأحقاد، وتكشف عن نخبة هشّة ومتآكلة لا تملك تصوّرات للآتي ومواقف من الحاضر، ولا المجتمع يملك من الصّواب ما يهيّئه للتحرر من إرث الاستبداد والذلّ التاريخي، ومن التّلاعب الذي حوّله إلى كائن بردود ميكانيكيّة جاهزة.

هكذا تصبح صورة أحمد صواب والأغلال في يديه، رمزا لاعتقال الصّواب في دولة اللاعقل. والمعضلة أنّ من النخبة المؤثّرة من لا يملك الصواب حقّا حتى أنّه بإمكانه أن يغذّي في أنصاره اللّاصواب ويهيّئهم لسلوك غرائزيّ مخيف، دون أن يدرك بأنّه لم يصب الحقّ، وبأنّه يوغل في المغالطة.

ربما هذه معركة أخرى من معارك هذا البلد: معركة الصّواب واللّاصواب. تنصاف إلى معارك الدّيمقراطية والفاشية، الجمال والقبح، العدل والظلم. . والمعضلة أيضا أن يتلبّس القبح بمن يفترض أنه ديمقراطي مدافع عن العدل والجمال، ولا أرى مسافة بينهما، ولكن انحرافات الديمقراطيين كثيرة حتى أنّهم يتيهون عن الصّواب بدورهم. وأعتقد أن هذا أفدح ما يحدث إذ يفترض في المدافع عن القضية العادلة أن يتلبّس بالجمال العميق قولا وفعلا وسلوكا حتى لا يؤسّس لذلك الشّرخ القائم بين النّاس وبين الحرية والديمقراطية والعدل.

ربما مازال الطريق طويلا حتى نقول أننا اقتربنا قليلا من الصّواب، وربما علينا أن نحفر كثيرا لاقتلاع الطبقات المتكلّسة في الذّهنية . قد يبدو الأمر عسيرا في ظل موت السياسة، لكن بعض المحاولات هنا وهناك تبيّن أن الأمر ليس مستحيلا لغير المستعجلين. فكيمياء الواقع قد تفاجئ الجميع بطفرات غير متوقعة، لعلّها قريبة، أو أبعد ممّا نتخيّل، ولكن من الأكيد أنّ ارتفاع درجات الظلّم والإحساس بالقهر وطغيان الرّداءة وهيمنة القبح، هو وضع غير طبيعيّ مفتوح على كلّ الاحتمالات، المعقولة واللّامعقولة بدورها.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات